شخصياتمنوعات

حياة الإمام الشافعي

نسبه 


هو أبو عبد الله ، محمد بن إدريس ، بن العباس ، بن عثمان ،بن شافع ، بن السائب ، بن عبيد بن عبد يزيد،بن هاشم ، بن المطلب ، بن عبد مناف، جدجدالنبي 

وبعبد مناف التقى الشافعي بالنسب مع ابن عمه النبي العربي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم

اما امه فهي يمانية من الازد وقيل من قبيلة الاسد وهي قبيلة عربية لكنها ليست قرشية

مولده ونشأته


ولد الإمام الشافعي رحمه الله في نهار الجمعة آخر يوم شهر رجب ، من سنة مائة وخمسين ، وهي السنة التي توفي فيها الإمام أبو حنيفة ، لم يختلف في هذا أي أحد ، إلا أن بعضهم بالغ فأولد الشافعي في اليوم الذي توفي فيه أبو حنيفة .

كما اختلف الناس في البلد الذي نشأ، فيه فيقول العماد :” وُلِد بغزة ، أو بعسقلان ، أو اليمن ، أو منى ، أقوال ” . ولقد استبعدنا من هذه المدن منى لشذوذها ، واليمن لضعفها فبقي من هذه الدول سوى غزة وعسقلان وهما المنقولان عن الإمام نفسه بطرق صحيحة . وواضح أن غزة وعسقلان إقليم واحد،والأقرب أنه ولد بغزة كما هو قول الأكثرين ، ثم حُمِل إلى عسقلان وهو صغير كما رُوِي عن الحاكم بطريقه عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول : سمعت الشافعي يقول :” ولدت بغزة ، وحملتني أمي إلى عسقلان “

نشأته :


لقد ذكرنا أن الشافعي ولد بغزة ولكنه نشأ منذ طفولته بمكة فقد روي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي قال :” ولدت بغزة سنة خمسين ومائة وحملت إلى مكة ,انا ابن سنتين “.

لقد نشأ الإمام الشافعي في مكة المكرمة وعاش فيها عيشة الفقراء ، بالرغم من أن نسبه من الأشراف .

حفظ القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، ثم اتجه من بعده الى الحديث النبوي . فحفظ موطأ الإمام مالك، قال الشافعي: «حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين».

وقد كان الإمام الشافعي رحمه الله يستمع لكبار المحدثين و يكتب ما يسمعه على الخزف والجلود ليتمه و فقره .حتى روي عنه مرة أنه قال :”«كنت يتيماً في حجر أمي، ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي من أمي أن أخلفه إذا قام، فلما ختمت القرآن دخلت المسجد، وكنت أجالس العلماء، فأحفظ الحديث أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شِعب الخَيْف، فكنت أنظر إلى العظم فأكتب فيه الحديث أو المسألة، وكانت لنا جرة عظيمة، إذا امتلأ العظم طرحته في الجرة» .

وبعد حفظه لكتاب الله رحل إلى البادية ولازم قبيلة هذيل العربية لتعلم البلاغة والفصاحة .وكانت هذيل أفصح العرب ، ولقد كانت لهذه الملازمة أثر في فصاحته وبلاغة ما يكتب، وقد لفتت هذه البراعة أنظار معاصريه من العلماء بعد أن شب وكبر ، حتى الأصمعي وهو من أئمة اللغة المعدودين يقول : ( صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس ) وبلغ من اجتهاده في طلب العلم أن أجازه شيخه مسلم بن خالد الزنجي بالفتيا وهو لا يزال صغير .وبعد أن تعلم العربية  رجع الى مكة فصيح اللسان. 

طلبه للعلم 


طلب الإمام الشافعي العلم في وقت مبكر ، والذي ساعده على ذلك انتقاله إلى مكة في وقت مبكر 

قال الشافعي :”حفظت القران وأنا ابن سبع سنين ،وقرأت الموطأ وأنا ابن عشر سنين ، وأقمت في بطون العرب عشرين سنة ، آخذ أشعارها ولغاتها ، وحفظت القران ، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد ، ما خلا حرفين ، أحدهما : دساها “

رحلته إلى المدينة :


وقد قصها لنا الشافعي كالآتي 

قال : “ثم أني خرجت عن مكة فلزمت هذيلا في البادية ، أتعلم كلامها ،وآخذ طبعها ، وكانت أفصح العرب ، قال : فبقيت فيهم سبع عشرة سنة ، أرحل برحيلهم وأنزل بنزولهم ، فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار وأذكر الأدب والأخبار وأيام العرب ، فمر بي رجل من الزبيريين من بني عمي ، فقال لي :يا أبا عبد الله ، عزعلي أن لا يكون مع هذه اللغة وهذه الفصاحة والذكاء فقه ، فتكون قد سُدت أهل زمانك ، فقلت فمن بقي تقصد ؟ فقال لي : مالك بن أنس سيد المسلمين قال فوقع في قلبي ، فعمدت إلى الموطأ ، استعرته من رجل بمكة ، فحفظته في تسع ليال ظاهرا . قال : ثم دخلت إلى والي مكة وأخذت كتابه إلى والي المدينة ، وإلى مالك بن أنس ، فقال فقدمت المدينة ،فأبلغت الكتاب إلى الوالي ، فلما أن قرأ قال : يافتى إن مشيي من جوف المدينة الى جوف مكة حافيا راجلا أهون علي من المشي إلى باب مالك بن أنس ، فلست أرى الذل حتى أقف ببابه ، فقلت : أصلح الله الأمير ، إن رأى الأمير يوجه إليه ليحضر .قال : هيهات ليت أني إذا ركبت  أنا ومن معي وأصابنا من تراب العقيق ، نلنا بعض حاجتنا . فقال فواعدته عصرا وركبنا جميعا فوالله لكان كما قال لقد أصبنا من تراب العقيق ، قال : فتقدم رجل فقرع الباب ، فخرجت الينا جارية سوداء ، فقال لها الأمير : قولي لمولاك إني بالباب .قال : فدخلت ، فأبطات ثم خرجت فقالت إن مولاي يقرئك السلام ، ويقول : إن كانت مسألة فارفعها في رقعة ، يخرج إليك الجواب وإن كان للحديث فقد عرفت يوم المجلس فانصرف ، فقال لها : قولي له : إن معي كتاب والي مكة إليه في حاجة مهمة . قال فدخلت وخرجت وفي يدها كرسي فوضعته ثم إذا بمالك قد خرج وعليه المهابة والوقار وهو شيخ طويل مسنون اللحية ، فجلس وهو متطلس ، فرفع إليه الوالي الكتاب فبلغ إلى قوله “إن هذا رجل من أمره وحاله ……فتحدثه وتفعل وتصنع “رمى الكتاب من يده ثم قال : سبحان الله او صار علم رسول الله يؤخذ بالرسائل قال : فرأيت الوالي وقد تهيبه أن يكلمه فتقدمت إليه وقلت : أصلحك الله ، إني رجل مطلبي ومن حالي وقصتي …فلما أن سمع كلامي نظر إلي ساعة ، وكانت لمالك فراسة ، فقال لي : ما اسمك ؟ قلت : محمد فقال لي يامحمد ، اتق الله واجتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن من الشأن ، ثم قال : نعم وكرامة ، إذا غد تجيء ويجيء من يقرأ لك قال : فقلت : أنا أقوم بالقراءة قال : فغدوت عليه ، وابتدأت ان أقراه ظاهرا والكتاب في يدي ، فكلما تهيبت مالكا وأردت ان اقطع ، اعجته حسن قراءتي واعرابي ، فيقول : يافتى زد ، حتى قراته في ايام يسرة ، ثم اقمت بالمدينة حتى توفي مالك بن أنس “

رحلته إلى اليمن : 


بعد وفاة الامام مالك راى الشافعي انه اخذ شطر العلم فترك المدينة وذهب الى اليمن وذلك لانه كان يحتاج الى عمل لكي يتقوت فقد كان فقيرا .

سبب الرحلة : روي الحميدي عن الشافعي قال : قدم وال على اليمن يعني من مكة فكلمه بعض القرشيين في أن أصحبه ، ولم يكن عند امي ماتعطيني ما اتجمل به فرهنت دارا فتحملت معه فما قدمنا علمت له على عمل ، فحمد فيه ، فزادني “

ورواية اخرى عن الكرابيسي يقول : قال الشافعي : قال مصعب : ان هارون الرشيد قد كتب إلي أن اصير إلى اليمن قاضيا فهل تخرج معنا لعل الله يعوضك ماكان هذا الرجل يعوضك قال :فخرجت قاضيا على اليمن “

الى العراق : 


لقد اخذ الشافعي الى العراق وهو متهم وقد طلب العلم وهو على باب الخليفة  ، ففي سنة 184حمل الشافعي الى لعراق كرها لاطوعا فقد اوثقه حماد البربري في الحديد بتهمة الخروج عن الدولة فلما انتهى الى بغداد قيل له : الزم الباب ، فيقول الشافعي : “فنظرت ، فإذا أنا لابد لي من الاختلاف الى بعض اولئك ، وكان محمد بن الحسن جيد المنزلة ، فاختلفت اليه وقلت هذا أشبه لي من طريق العلم فلزمته وكتبت كتبه ، وعرفت قولهم ، وكان اذا قام ناظرت اصحابه” وقد استغل الشافعي لزومه امام باب الخليفة اي بقائه رهن الطلب وانصرف يتزود العلم ليعلم كل جديد من مذاهب اهل الراي . وقد نجا الامام الشافعي من يدي الخليفة وذلك يعود الى صدقه وصبره وعلمه وبراءته وفصاحته ورباطة جأشه ، وقد تحدث الشافعي عن هذه الفترة المفزعة فقال :”فجئت يومًا فجلست إليه وأنا من أشد الناس همًّا وغمًّا من سخط أمير المؤمنين وزادي قد نفد.

قال: فلمَّا أن جلست إليه أقبل محمد بن الحسن يطعن على أهل دار الهجرة، فقلت: على مَن تطعن؟ على البلد أم على أهله؟ والله لئن طعنت على أهله إنما تطعن على أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار، وإن طعنت على البلدة، فإنها بلدتهم التي دعا لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يبارك لهم في صاعهم ومُدِّهم، وحرَّمه كما حرَّم إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – مكة لا يقتل صيدها، على أيهم تطعن؟

فقال: معاذ الله أن أطعن على أحد منهم أو على بلدته، وإنما أطعن على حكم من أحكامه، فقلت: ما هو؟ فقال: اليمين مع الشاهد، فقلت له: لِمَ طعنت؟ قال: فإنه مخالف لكتاب الله، فقلت له: فكل خبر يأتيك مخالفًا لكتاب الله أتسقطه؟ قال: فقال: كذا يجب، فقلت له: ما تقول في الوصية للوالدين؟ قال: فتفكَّر ساعة فقلت له: أجب، فقال: لا تجب، قال: فقلت له هذا مخالف لكتاب الله، لم قلت: إنه لا يجوز؟ قال: فقال: لأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا وصية للوالدين))، قال: فقلت له: فأخبرني عن الشاهدين حتمٌ من الله؟ قال: فما تريد من ذا؟ قال: فقلت له: لئن زعمت أن الشاهدين حتمٌ من الله لا غير كان ينبغي لك أن تقول: إذا زنى زانٍ فشهد عليه شاهدان إن كان محصنًا رجمته، وإن كان غير محصن جلدته، قال: ليس هو حتمًا من الله، قال: قلت له: إذا لم يكن حتمًا من الله فتنزل الأحكام منازلها في الزنا أربعة، وفي غيره شاهدين، وفي غيره رجلاً وامرأتين.

وإنما أعني في القتل: لا يجوز إلا بشاهدين، فلما رأيت قتلاً وقتلاً أعني بشهادة الزنا وأعني بشهادة القتل، فكان هذا قتلاً وهذا قتلاً، غير أن أحكامهما مختلفة، فكذلك كل حتم أنزله الله منها بأربع، ومنها بشاهدَين، ومنها برجل وامرأتين، ومنها بشاهد واليمين، فرأيتك تحكم بدون هذا.

قال فقلت له: أبكتاب الله هذا أم بسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقلت له: فما تقول في الرجلين إذا اختلفَا في الحائط؟ قال: فقال في قول أصحابنا: إن لم يكن لهم بينة ننظر إلى العقد من أين هو إلينا فأحكم لصاحبه.

قال: فقلت: أبكتاب الله هذا أم بسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم؟

قلت: فما تقول في رجلين بينهما حصن فيختلفان، لِمَن تحكم إذا لم تكن لهم بينة؟ قال: أنظر إلى معاقده من أي وجه هو فأحكم له، قلت: بكتاب الله هذا أم بسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم؟

قال: فقلت له: فما تقول في ولادة المرأة إذا لم يكن يحضرها إلا امرأة واحدة وهي القابلة ولم يكن غيرها؟ فقال لي: الشهادة جائزة بشهادة القابلة وحدها نقبلها.

قال: فقلت له هذا بكتاب الله أم بسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثم قلت له: أتعجب من حكمٍ حكَم به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحكم به أبو بكر وعمر – رضي الله تعالى عنهما – وحكم به عليُّ بن أبي طالب بالعراق وقضى وحكم به شريح؟

قال: ورجل من ورائي يكتب ألفاظي وأنا لا أعلم، قال فأدخل على هارون وقرأه عليه، قال: فقال: هرثمة بن أعين – وكان متَّكئًا فاستوى جالسًا – فقال: اقرأه عليَّ ثانيًا، قال: فأنشأ هارون يقول: صدق الله ورسوله، صدق الله ورسوله، صدق الله ورسوله، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((تعلموا من قريش ولا تعلموها، قدِّموا قريشًا ولا تقدموها))، ما أنكر أن يكون محمد بن إدريس أعلمَ من محمد بن الحسن.

قال: فرضي عنِّي وأمر لي بخمسمائة دينار، قال: فخرج بها هرثمة وقال لي بالشرط هكذا، فاتبعته فحدَّثني بالقصة، وقال لي: قد أمر بخمسمائة دينار وقد أضفنا إليها مثلَها، قال: فوالله ما ملكت قبلها ألف دينار إلاَّ في ذاك الوقت، قال: وكنت رجلاً أستتبع، فأغناني الله – عز وجل – على يدي مصعب.

عودته إلى مكة :


عاد الشافعي إلى مكة وأخذ يلقي دروسه في الحرم المكي ، والتقى بأهل العلم في موسم الحج ، واستمعوا إليه ، وفي هذا الأوان التقى به أحمد بن حنبل .

إضافة أنه في هذه الفترة وضع أصول الفقه وذلك بعد عدة مناظرات رأى فيها أنه يجب وضع مقاييس معرفة الحق من الباطل ، لذا فكر في استخراج قواعد الاستنباط،ومعرفة الكتاب وأحكامه والسنة كذلك ، ومعرفة الناسخ من المنسوخ ، معرفة قواعد الاجتهاد الى غير ذلك.

رحلته الثانية إلى بغداد :


ثم قدم الشافعي بغداد للمرة الثانية في سنة (195هـ)، وألف لأول مرة كتاب ” الرسالة ” الذي وضع به الأساس لعلم أصول الفقه ، وجاء في مناقب الشافعي للرازي أنه روى أن عبد الرحمن بن مهدي التمس من الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا يذكر فيه شرائط الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع والقياس وبيان الناسخ والمنسوخ ومراتب العموم والخصوص ، فوضع الشافعي رضي الله عنه كتاب ” الرسالة ” وبعثها إليه ، فلما قرأها عبد الرحمن بن مهدي قال : ما أظن أن الله عز وجل خلق مثل هذا الرجل ، ثم يقول الرازي : واعلم أن الشافعي رضي الله عنه قد صنف كتاب الرسالة وهو ببغداد ، ولما رجع إلى مصر أعاد تصنيف كتاب الرسالة ، وفي كل واحد منهما علم كثير .

رحلته إلى مصر :


قدم الشافعي مصر سنة 199 هـ، ومات فيها سنة 204 هـ، وقد رُوي عن الربيع بن سليمان أنه قال: وقال لي يوماً (يقصد الشافعي): «كيف تركت أهل مصر؟»، فقلت: «تركتهم على ضربين: فرقةٌ منهم قد مالت إلى قول مالك، وأخذت به واعتمدت عليه وذبَّت عنه وناضلت عنه، وفرقةٌ قد مالت إلى قول أبي حنيفة، فأخذت به وناضلت عنه»، فقال: «أرجو أن أقدم مصر إن شاء الله، وآتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين جميعاً». قال الربيع: «ففعل ذلك والله حين دخل مصر».

قال الربيع : سمعت الشافعي يقول ـ في قصة ذكرها :

لَقَدِ أصبحَتْ نَفْسِي تَتُوقُ إِلَى مِصْرَ … وَمِنْ دُونِهَا أَرْضُ المَهَامِهِ وَالقَفْرِ

فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَلِلْمَالِ وَالغِنَى … أُسَاقُ إِلَيْهَا أَمْ أُسَاقُ إِلَى قَبْرِي

قال : فوالله ما كان إلا بعد قليل ، حتى سيق إليهما جميعا !!”

وفاته 


توفي الشافعي سنة 204، قال الإمام البيهقي «إن الشافعي إنما وضع الكتب على مالك (أي في الرد على مالك) لأنه بلغه أن ببلاد الأندلس قلنسوة كانت لمالك يُستسقى بها. وكان يقال لهم: “قال رسول الله”. فيقولون: “قال مالك”. فقال الشافعي: “إن مالكاً بَشَرٌ يخطئ”. فدعاه ذلك إلى تصنيف الكتاب في اختلافه معه». ثم ألف الإمام الشافعي كتاباً يرد به على الإمام مالك وفقهه، فغضب منه المالكيون المصريون بسبب الكتاب وأخذوا يحاربون الشافعي، وتعرض للشتم القبيح المنكَر من عوامهم، والدعاء عليه من علمائهم. يقول الكندي: لما دخل الشافعي مصر، كان ابن المنكدر يصيح خلفه: «دخلتَ هذه البلدة وأمرنا واحد، ففرّقت بيننا وألقيت بيننا الشر. فرّقَ الله بين روحك وجسمك». واصطدم كذلك بأحد تلاميذ الامام مالك المقربين ممن ساهم بنشر مذهبه في مصر، وهو أشهب بن عبد العزيز. وكان أشهب يدعو في سجوده بالموت على الإمام الشافعي. وروى ابن عساكر عن محمد بن عبد الله بن عبدِ الْحَكَمِ أَنَّ أَشْهَبَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: “اللَّهُمَّ أَمِتْ الشَّافِعِيَّ، فَإِنَّكَ إِنْ أَبْقَيْتَهُ اِنْدَرَسَ مَذْهَبُ مَالِكٍِ”. وروى ذلك ابن مندة عن الربيع أنه رأى أشهب يقول ذلك في سجوده. ثم قام المالكية بضرب الإمام الشافعي ضرباً عنيفاً بالهراوات حتى تسبب هذا بقتله وعمره 54 عاماً فقط، ودُفن بمصر.

وقيل ان سبب موته هو مرض البواسير الذي أصابه :فقد روى الربيع بن سليمان حالَ الشافعي في آخر حياته فقال: «أقام الشافعي ها هنا (أي في مصر) أربع سنين، فأملى ألفاً وخمسمئة ورقة، وخرَّج كتاب الأم ألفي ورقة، وكتاب السنن، وأشياء كثيرة كلها في مدة أربع سنين، وكان عليلاً شديد العلة، وربما خرج الدم وهو راكب حتى تمتلئ سراويله وخفه (يعني من البواسير)». وقال الربيع أيضاً: دخل المزنيَّ على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقال له: «كيف أصبحت يا أستاذ؟»، فقال: «أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقاً، ولكأس المنية شارباً، وعلى الله وارداً، ولسوء عملي ملاقياً». قال: ثم رمى بطرفه إلى السماء واستبشر وأنشد:

إليك إلـهَ الخلـق أرفــع رغبتي
وإن كنتُ يا ذا المن والجود مجرماً
ولما قسـا قلبي وضـاقت مذاهبي
جعلت الرجـا مني لعفوك سُلَّمــاً
تعاظمنـي ذنبـي فلمـا قرنتــه
بعفوك ربي كان عـفوك أعظمــا
فما زلتَ ذا عفوٍ عن الذنب لم تزلْ
تـجـود وتعـفو منةً وتكرُّمـــاً
فلولاك لـم يصمِـد لإبلـيسَ عابدٌ
فكيف وقد أغوى صفيَّك آدمـــاً
فياليت شعــري هل أصير لجنَّةٍ
أهنـــا وأمـا للسعير فأندمــا
فلله دَرُّ العـــارفِ الـنـدبِ إنه
تفيض لفرط الوجد أجفانُه دمـــاً
يقيـم إذا مـا الليلُ مدَّ ظلامَــه
على نفسه من شدة الخوف مأتمـاً
فصيحاً إذا ما كـان في ذكـر ربه
وفيما سِواه في الورى كان أعجمـاً
ويذكر أيامـاً مضـت من شبابـه
وما كان فيها بالجهـالة أجرمـــا
فصار قرينَ الهم طولَ نهـــاره
أخا السُّهْد والنجوى إذا الليلُ أظلمـا
يقول: حبيبي أنـت سؤلي وبغيتي
كفى بك للراجـيـن سؤلاً ومغنمـاً
ألـستَ الذي غذيتني وهــديتني
ولا زلت منَّـانـاً عليّ ومُنعـمــاً
عسى من لـه الإحسانُ يغفر زلتي
ويستر أوزاري ومـا قـد تقدمــا
تعاظمني ذنبـي فأقبلت خاشعــاً
ولولا الرضـا ما كنتَ يارب منعمـاً

صفاته وأخلاقه 


الذكاء وغزارة العلم

قال الربيع بن سليمان:

كان الشافعي رحمَه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث، فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر، فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار

التواضع والكرم

عن الربيع بن سليمان أنه قال: «سمعت الشافعي، ودخلت عليه وهو مريض، فذكر ما وضع من كتبه، فقال: لوددت أن الخلق تعلمه، ولم ينسب إلي منه شيء أبداً»، وعن حرملة بن يحيى أنه قال: سمعت الشافعي يقول: «وددت أن كل علم أعلَمه تعلَمه الناس، أوجر عليه ولا يحمدوني» وقال أحمد بن حنبل: قال لنا الشافعي: «أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث صحيحاً فأعلموني، كوفياً كان أو بصرياً أو شامياً، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً»

الورع والعبادة

قال الحارث بن سريج: دخلت مع الشافعي على خادم للرشيد، وهو في بيت قد فرش بالديباج، فلما وَضع الشافعيُ رجلَه على العتبة أبصره (أي أبصر الديباج)، فرجع ولم يدخل، فقال له الخادم: «ادخل»، فقال: «لا يحل افتراشُ هذا»، فقام الخادمُ متمشياً، حتى دخل بيتاً قد فرش بالأرمني، فدخل الشافعي، ثم أقبل عليه فقال: «هذا حلال، وذاك حرام، وهذا أحسن من ذاك وأكثر ثمناً منه»، فتبسم الخادم، وسكت

الحث على طلب العلم

كان الشافعيُّ يدعو إلى طلب العلم فيقول: «من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في الفقه نبُل قدره، ومن نظر في اللغة رَقَّ طبعُه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه»

شيوخه وتلاميذه 


شيوخه 

تلقى الإمام الشافعي رحمه الله علمه على كثير من العلماء وذلك لانتقاله من بلد الى بلد :

شيوخه من اهل مكة:

  1. سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي.
  2. مسلم بن خالد بن فروة الزنجي.
  3. سعيد بن سالم القداح.
  4. داود بن عبد الرحمن العطار.
  5. عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد

شيوخه من اهل المدينة :

  1. مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني.
  2. إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري.
  3. عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي.
  4. إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي.
  5. محمد بن أبي سعيد بن أبي فُدَيْك.
  6. عبد الله بن نافع الصائغ.

شيوخه من اهل اليمن  :

  1. مُطَرَّف بن مازن الصنعاني.
  2. هشام بن يوسف الصنعاني قاضي صنعاء.
  3. عمرو بن أبي سلمة التنيسي، وهو صاحب الأوزاعي.
  4. يحيى بن حسان بن حيان التنيسي البكري، وهو صاحب الليث بن سعد.

شيوخه من اهل العراق :

  1. محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الحنفي.
  2. وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي.
  3. حماد بن أسامة بن زيد، أبو أسامة الكوفي.
  4. إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم البصري.
  5. عبد الوهّاب بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي البصري.

تلاميذه :

  1. إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان أبو ثور الكلبي البغدادي.
  2. أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الذهلي وهو أحد الأئمة الأربعة
  3. إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق، أبو إبراهيم المزني المصري، قال فيه الشافعي: «المزني ناصر مذهبي».
  4. الحارث بن أسد أبو عبد الله المحاسبي، أحد مشايخ الصوفية.
  5. الحارث بن سريج البغدادي أبو عمرو النقال
  6. حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي أبو حفص المصري.
  7. الحسن بن محمد بن الصباح أبو علي البغدادي الزعفراني.
  8. الحسين بن علي بن يزيد أبو علي البغدادي الكرابيسي.
  9. الربيع بن سليمان بن داود الجيزي أبو محمد الأزدي.
  10. الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي، قال فيه الشافعي: «الربيع راويتي»، وقيل أنه آخر من روى عن الشافعي بمصر.
  11. عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله الأسدي القرشي، الإمام أبو بكر الحميدي المكي.
  12. يوسف بن يحيى القرشي أبو يعقوب البويطي المصري، قال فيه الشافعي: «ليس أحد أحق بمجلسي من أبي يعقوب، وليس أحد من أصحابي أعلم منه».
  13. سليمان بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، أبو أيوب الهاشمي القرشي البغدادي.
  14. عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم بن ميمون، أبو الحسن الكناني المكي.
  15. بحر بن نصر بن سابق الخولاني، أبو عبد الله المصري

كتبه ومؤلفاته 


  • كتاب الأم

هو واحد من أعمال الإمام الشافعي ولكنّه نسب إلى تلميذه الربيع المرادي.

  • كتاب الرّسالة

هو أوّل كتاب للإمام الشافعي في موضوع أصول الفقه، وكُتب بناءً على طلب عبد الرّحمن المهدي.

  • كتاب الإملاء

أشار الإمام النّووي على الإمام الشّافعي أن يكتبه، وموضوعه عن الفقه والاختلاف

  • اختلاف العراقيّين

هو أحد أعمال الإمام الشافعي، والعراقيّان اللّذان يُشير العنوان لهما: أبو حنيفة، ومحمد عبد الرّحمن أبي ليلى. وهذا الكتاب كان جزءًا من كتاب الأمِّ، وهو بنصف حجمه.

  • كتاب جماع العلم

نَسبَ ابن السّبكيّ نسختين من جماع العلم إلى الإمام الشّافعي، هما: جماع العلم الكبير، وجماع العلم الصّغير.

  • كتاب إبطال الاستحسان
  • كتاب أحكام القرآن
  • كتاب بيان فرض الله عز وجل
  • كتاب صفة الأمر والنهي
  • كتاب اختلاف مالك والشافعي
  • كتاب الرد على محمد بن الحسن
  • كتاب علي وعبد الله
  • كتاب فضائل قريش

أقوال الشافعي :


قوله في الزهد:

عليك بتقوى الله ان كنت غافلا *** يأتيك بالارزاق من جيث لاتدري

فكيف تخاف الفقر والله رازقا *** فقد رزق الطير والحوت في البحر

ومن ظن ان الرزق يأتي بقوة *** مـا أكـل الـعصفـور مـن النسـر

نزول عـن الدنـيا فـأنك لا تدري *** أذا جن ليل هل تعش الى الفجر

فكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من سقيم عاش حينا من الدهر

قوله في مكارم الاخلاق:

لما عفوت ولم احقد على أحد *** أرحت نفسي من هم العداوات

اني أحيي عدوي عند رؤيتـه *** لادفع الشــر عـني بـالتحيــات

وأظهر البشر للانسان أبغضه *** كما ان قد حشى قلبي محبات

الناس داء وداء الناس قربهم *** وفي اعتـزالـهم قطـع المـودات

المراجع :


  1. الإمام الشافعي الفقيه الأكبر لعبد الغني الدقر 
  2. الامام الشافعي حياته وفقهه بكر محمد إبراهيم
  3. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، ابن فرحون إبراهيم بن علي اليعمري
بواسطة
manzili.life

الفسيفساء

كاتبة متخصصة في العلوم الإسلامية والتغذية الصحية ومهمتة بعلوم الحاسب والبرمجة وتعلم اللغات الحية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى