إسلامياتمنوعات

الأضحية وأحكامها

عند تصفحها للنت لمحت كلاما عجيبا، فالتفت ناحية إخوتها وبدأت تسرد عليهم ما وجدت قائلة :” هذا فلان يقول بأنه لاداعي لأن أشتري كبش العيد، يكفي فقط شراء دجاجة أو كم كيلو من اللحم بدل خسارة ملايين في كبش شحمه أكثر من لحمه وعظمه نصف جسمه. وردَّ عليه آخر بأنها سنة مؤكدة وإقامة لشعائر الله عزوجل وتعظيم له، وقربة من القربات ، وإحياء للفرحة وزيادة للبركات”. حينها بدأ كل واحد من العائلة يدلي برأيه ردا على ما يُتدوال في مواقع التواصل من كلام غريب وعجيب، من قبيل أن الأضحية تبذير للمال، وأن هناك أشياء كثيرة في العيد تستحق صرف تلك الأموال فيها غير الأضحية ، وغيرها من الشبهات والكلام الذي لا طائل له .

والعجيب في الأمر كله أن مثل هؤلاء يستلف ويستدين من أجل شراء جهاز يضيع فيه حياته بأكملها، ويستصعب عليه أضحية تقربه إلى الله عزوجل ، وتزيد حياته بركة وسعادة.

هذا كان رأينا ونقاشنا حول الخزعبلات التي يتفنن الناس في اختراعها كل عيد، أما الفقهاء فلهم كلامهم الصريح في الأضحية، والذي يقف بين الوجوب والندب. إذ ذهب بعضهم إلى الوجوب وبعضهم إلى الندب ، وكلا القولين لايخدم من يُفرِّط فيها ويُضَحِّي بغير ما شرعه الله عزوجل ، فمن يظن بأن الأضحية بالدجاج أو الحوت أو الفرس فذاك لا يجزئ ولا تسمى أضحية، لأن من شرط الأضحية أن تكون من بهيمة الأنعام؛ وهي الإبل والبقر والغنم بسائر أنواعها , لقوله تعالى: ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ) .وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَلا عَنْ أحد من أَصْحَابِهِ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا ).

وقد قالها النووي في “المجموع” (8/364-366) :

” فشرط المجزئ في الأضحية أن يكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم , سواء في ذلك جميع أنواع الإبل , وجميع أنواع البقر , وجميع أنواع الغنم من الضأن والمعز وأنواعهما , ولا يجزئ غير الأنعام من بقر الوحش وحميره وغيرها بلا خلاف , وسواء الذكر والأنثى من جميع ذلك , ولا خلاف في شيء من هذا عندنا . . .ولا تجزئ بالمتولد من الظباء والغنم , لأنه ليس من الأنعام ”  .

هذا من ناحية من يريد أن يستبدل جنس الأضحية بغيرها، أما الذي لايضحي وهو مقتدر فيكره عليه ذلك، وذلك لمخالفته لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولكن يجوز للغير المقتدر ألا يضحي. فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأضحية للمُقتدر عليها سُنّة مؤكّدة ويُكره له تركها، وخالفهم في ذلك الحنفيّة الذّين يرون أنّها واجبة للمُقتدر على شرائها. ويتّضح بذلك أنّ القدرة أو الاستطاعة شرط للأضحية عند من يقول بوجوبها أو سُنّيتها، ولا يجوز للمقتدر تركها، كما أنَّها لا تُطلب ممّن عجز عنها، ودليل العلماء في ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَنْ وَجَد سَعَةً فلم يُضَحِّ فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنا).

شروط الأضحية :

وما يجزئ في الأضحية من الشياه ما اكتمل له ستة أشهر ودخل في السابع، ومن البقر ما كمل لها سنتان، ودخل في الثالثة، ومن الإبل ما كمل له خمس سنين، ودخل في السادسة، ويستحب أن تكون الأضحية :

سمينة، عظيمة، حسنة، ويجب أن تكون خالية من العيوب التي تؤثر في وفرة لحمها، وجودته، ولهذا فلا يجزئ التضحية بالعوراء أو العرجاء، أو المريضة التي لايرجى برؤها، أو العجفاء المهزولة، أو العضباء التي ذهب أكثر من نصف أذنها أو قرنها، لما روى عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أربع لا يجوز في الأضاحي : العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقى” .

وإذا كان هناك من الأضاحي ما عظم لحمه، من البقر المهجن بحيث إذا زادت عن سنتين ، فإن لحمها لا يكون مستساغًا ، ولا يوجد البقر غير المهجن، فإنه يجزئ ما كان أقل من سنتين، نظرًا لحكمة الشارع من الأضحية، ويوفر اللحم ،حتى ينعم الفقراء، وتيسيرًا على الناس، والأمور بمقاصدها.

وقت ذبح الأضحية:

ووقت ذبح الأضحية يكون بعد صلاة العيد لما روى عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى”، وفي رواية أخرى: “إن أول نسكنا في يومنا هذا الصلاة ثم الذبح، فمن ذبح قبل الصلاة فتلك شاة لحم قدمها لأهله، ليس من النسك في شيء”. من ذبح قبل الصلاة لم تجزئها الأضحية، ولزمه بدلها.

حضور المضحي لأضحيته:

يستحب للمضحي إن لم يذبح أضحيته بنفسه أن يحضر ذبحها، لما روى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الأضحية : “واحضروها إذا ذبحتم، فإنه يغفر لكم عند أول قطرة من دمها”. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لفاطمة: “احضري أضحيتك، يغفر لك بأول قطر من دمها” .

ويستحب أن يقول المضحي عند الذبح: “بسم الله والله أكبر” ويستحسن أن يزيد على هذا فيقول: “اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبل مني أو من فلان”. لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بكبش له ليذبحه، فأضجعه ثم قال: ” اللهم تقبل من محمد وآل محمد وأمة محمد، ثم ضحى” وروى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” اللهم منك ولك عن محمد وأمته، بسم الله والله أكبر، ثم ذبح”.

كيفية توزيع الأضحية:

يستحب أن يطعم المضحي أهل بيته ثلثها، ويهدي ثلثها للفقراء من جيرانه وأقاربه، ويتصدق بالثلث على من يسألها، لقول الحق سبحانه: “فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر” والقانع هوالسائل والمعتر هو الذي يعتري الناس، أي يتعرض لهم ليطعموه، ولا يسألهم ذلك، ولما روى عن ابن عباس في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث” وروى عن ابن عمر أنه قال: ” الضحايا والهدايا ثلث لك، وثلث لأهلك، وثلث للمساكين”.

وليس للمضحي أن يعطي الجزار شيئًا منها أجرة له على عمله، ولكن إذا دفع إليه شيئًا منه لفقره أو على سبيل الهدية فلا بأس ، فقد روى عن علي قال: “أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنة، وأن أقسم جلودها وجلالها، وأن لا أعطي الجازر شيئًا منها، وقال: نحن نعطيه من عندنا” .

ولا يجوز للمضحي كذلك أن يبيع شيئًا من الأضحية لحمًا كان أوجلدًا أو غيرهما، وله أن ينتفع بجلدها وفضلاتها بلا خلاف.

ختاما ..

هذا ببعض الاختصار تبيان لكل ما تعلق بالأضحية، وتصحيح وتنبيه للكثير من الأخطاء التي يقع فيها الناس عند اختيارهم للأضحية، أو في انصرافهم عنها واستبدالها بكل ما صفا لحمه وقل شحمه. وعيدكم سعيد، وكل عام وأنتم بخير، غفر الله لنا ولكم، وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.

الفسيفساء

كاتبة متخصصة في العلوم الإسلامية والتغذية الصحية ومهمتة بعلوم الحاسب والبرمجة وتعلم اللغات الحية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى