منوعات

كيف أبني أسرة سعيدة ؟

نتساءل دائما ، وعند كل مشكلة أو خلاف ، ما الخطأ الذي ارتكبناه في بناء الأسرة ، وما القرار غير الصائب الذي اتخذناه في وقت ما ليقودنا لهذا السوء . وما البذرة الفاسدة التي زرعناها دون وعي أو خبرة لتُثمر الشوك بدل العنب . ونكرِّرُ كثيرا موَّالَ “لو فعلنا ماحدث .. ” ، و “لو لم نفعل لَكَان .. ” ، ونبقى في ذات المكان ، لا نحرك ساكنا لنغير ما اعوج مع الزمن ، ونقوّم ما مال إلى الزوال ..

وما أعجز ذاك الموال !!

في المدرسة الإعدادية .. كانت زميلتي في الصف ، ابنة لأبوين منفصلين . و خلاف ظني ، لم تكن تعيش عند أحدهما . . بل كان لكل منهما حياة جديدة ، وأبناء جدد . لتبقى هي عالقة في المنتصف ، لا تعرف الأسرة ولا تفهمها ، ولا تظفر من أمها وأبيها ، إلا لحظات تسرقها من أيامهم العامرة بكل أمر عداها ، وكل شخص سواها . وما تساوي تلك السويعات أمام سنين العمر ، وصروف الدهر .. وعند حبِّ مفقود ، و فرحِ موؤود . فلا هي التي عرفت حنان الأم و وقفتها .. ولا وجدت حرص الأب وحزمه ، وحبه وعطفه . فعاشت يتيمة الأبوين ، مهيضة الجناح . وكنت إن سمعت معاناتها ، ورأيت مأساتها ، أشكر الله سَلَفًا ، وأحمده ألفا .. أن وهبني أسرة هادئة ، وحياة هانئة .

وكنت في صغري ، أرى أسرتيَ الأمثل ، وأفرادها الأفضل . وأزداد يقينا بذلك كلما سمعت من الآخرين مدحا لتربيتي ، وثناء على من كان لي مؤدبا ، ولسلوكي مهذبا ، و رباني على النهج القويم ، و الخلق السليم . وكذا كلما رأيت بعض الزملاء ، و فيهم السيء الدنيء ، ذو اللسان البذيء ، والفوضوي المهمِل ، والفرد المنعزل ، و المتنمر و المغرور ، و منعدم الشخصية الضعيف المغلوب على أمره .. وفيهم من يعرف من الدّين بعضه ، ومن لا يعرف إلا اسمه . و بَقِيَتْ تلك نظرتي مع الأيام ، ومع ما ازددته علما بمشاكل غيري ، ورأيته من ضياعهم ، وسوء أحوالهم ، وبعدهم عن الدين ، وتخبطهم في أمواج الحياة التي تعلو بهم وتهبط ، فلا يجدون منها منجى ولا مستقرا ، ولا يرسون بعدها على بر ، طالما فسدت القدوة ، و غاب الموجه الناصح ، والواعظ الرادع .

وكبرنا .. وكبرت همومنا ، ومشاكلنا .. وما كانت مشاكلنا في الصغر سوى عن لعبة خاسرة ، ودمية مكسورة ، وقلم انسرق ، وكراس تمزق . وما كنا نعرف هما ، ولا نحمل غما .. وما كانت الحياة في نظرنا إلا لعبة نربحها ، أو درجة نحرزها .. وكنا نعجب للكبار لما يغضبون ، ومما يقلقون .

وعندما بلغنا مبلغهم ، أدركنا أن الحياة واجبات والتزامات .. إن لم يقم كل فرد بدوره ، أو قصّر في عمله ، أخل باستقرارها ، وعجل في دمارها . وما الأسرة في هذا المعترك إلا جزء .. وليس أي جزء .. فصلاحها بناء ، وفسادها هدم .

الأسرة التي تحيا وتدوم ، هي التي يعرف ناسها لكل فرد قدره ، ولكل شخص شأنه . فلا الكبير يُنسى فضله ، ولا الصغير يُبخس حقه .

هي التي تنشأ في أحضان الدين .. تدرس تعاليمه .. تُطبِّقُ أحكامه ما استطاعت و تمشي على هديه في كل صغيرة وكبيرة . وهي التي يُحفَّظُ صغارها القرآن ، ويُعلَّمون احترامه وفهمه ، ويتدارسونه فيما بينهم . أسرة يُذكِّرُ ذاكرها الناسي ، ويُنبه الواعي الغافل .

أسرةٌ .. ركيزتها صحيحة ، وأساسها ثابت مستقيم . وماهذا الأساس إلا الوالدان .. فإن صلُحَا صلحت ، وإن فسدا فسدت ، إلا إن شملتها رحمة من اللّه تحفظ استقرارها ، وتضمن استمرارها .

أسرةٌ .. تُبنى على التفاهم والحوار ، ويُعطى أفرادها حرية القرار ، وحق الاختيار ، في كل شأن يهمهم ، وقرار يمسهم .. مع مدِّهم بالنصح إن ضلوا السبيل ، وتوجيههم إن أضاعوا الطريق ، أو حادوا عما فيه فلاحهم ، وصلاح أمرهم .

الأسرة السعيدة ، هي التي لا تُبنى بين أفرادها الحواجز ، ولا يُعوّدون الخوف من شخص لذاته وسلطته .. فإن غاب الرقيب ، وذهب الحسيب ، هام كل في واده .

ولا التي ينزل الكبار فيها إلى الصغار ، حتى لا يعود لهم سلطان عليهم ، فلا رأي يُسمع ، ولا زجر يردع . بل يكون فيها عطف مع الحزم ، وشدة مع الرفق .. واحترام متبادل ، وإحساس بالأمان ، وراحة واطمئنان.

وهي ملاذ الشخص إن ضاقت به الحياة ، وحضنه الدافي ، الذي يجد فيه ضالته ، ويلقى فيه أذنا تسمع شكوه ، وقلبا يفهم سِرَّهُ وأمره . ويجد فيه من يُسديه النصح ، ويُبصِّرُهُ بحل أمره ، وفرج عسره.

هي أسرة لا تهدمها المشاكل ، مهما صغرت أو كبرت .. وما المشاكل للحياة إلا ملحها ، ولا مفر منها ولا مهرب . ولا تخلو حياة من شرارات مشاكل .. فإن عرفنا كيف نطفؤها قبل استعارها ، نجونا ، وخرجنا بأقل الخسائر .. وإن نحن غفلنا ، أو تجاهلنا ، واستسهلنا الأمر ، نالنا منه ضر كثير ، وشر كبير . والدنيا لم تضحك لعبد إلا أبكته .. ولم تسُرّه إلا ضرته .. والحال فيها لاتدوم ، والفرح فيها لا يلبث أن تمسحه الهموم . وكذا هي الأسرة .. يوما هانئة ، و آخر بائسة .. حينا موسرة ، وحينا معسرة .. وبين هذا وذاك ، تجد أفرادها شاكرين ، صابرين ، محتسبين .. لا يغرهم الأول ، ولا يسوؤهم الثاني .

وإجمالا ، الأسرة التي يَسلم قاربها ، وترسو سفينتها على بر الأمان .. هي التي تعرف ربها وتخشاه ، وتوقر كبيرها وترعاه ، وترحم صغيرها ، و تصل أرحامها .. و تصون الحق ، وتقدس الصدق .. و تشجع إبداء الرأي ، والمشورة في القرار ، وتمقت الإجبار .. وتتخذ من العثرات دافعا ، ومن المشاكل رادعا .. و دليلها هدي القران ، و نور الإيمان .

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى