خواطرمنوعات
أخر الأخبار

خطأ الطالب أم الأستاذ ؟

تمهيد

هناك فئة من الأساتذة والمعلمين يتلذذون ، للأسف ، وهم يشهدون سقوط الطلاب في موادهم و تغمرهم نشوة النصر عندما يرون انكسارهم ، وتهافتهم للحصول على نقطة واحدة أو نصف نقطة تنقذهم من الرسوب . يضعون أسئلة تعجيزية مستحيلة ، لا يخرج ناجحا معها إلا من أغدقه الله بفضله فنجا من الفشل المحتم ، أو من كان له عند الأستاذ مكان وحظوة ، أو “معرفة مسبقة ” ، أو وال ذو منصب ومقام يتزلف له الأستاذ ليكسب رضاه أو يتقي شر غضبه إن لم ينجح ابنه بتقدير . محزن أن يتدنى بعضهم لهذا المستوى ، وينزلوا بمكانة المعلم وقدره الرفيع ، ورسالته الشريفة إلى الحضيض . حتى صار مفهوم التعليم عندهم شرحا لا يُفهَم ، ودرسا لا يُهضَم ، واختبارا لا يُحل . لا يسالون كم طالبا على يدهم تحطّم ، ولا كم مستقبلا تهدّم .

وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة … قامت على يده البصائر حـــولا                                                        أحمد شوقي

 

دخل قاعة الامتحان .. توجه نحو المقعد المخصص له .. أخرج أدواته ، ثم جلس مكانه وعيناه معلقتان بذلك الظرف الأصفر الذي يحتوي أوراق الأسئلة . كان يرى في ذلك الظرف المغلق مصيره ومستقبله ، فإما النجاح وإما الرسوب . وكم تمنى في تلك اللحظة لو ملك واحدة من تلك القدرات الخارقة التي تزخر بها أفلام الكرتون . تمنى لو أن له عينا تخترق الحجب لتقرأ سطور النص ، أو قدرة على إيقاف الزمن وتجميد المحيطين به ، ليتسنى له حلّ الموضوع براحة بال ، ثم يعيد الوضع لحاله بعد إتمام الحل ، ولا يبقى عليه سوى أن ينقله ويخرج ظافرا منتصرا .

كان سارحا وسط هذه التخيلات عندما انتبه فجأة من شروده ، ليرى ورقة الامتحان أمامه . أخذها بلهفة .. و قرأ ما فيها بعيون وجهه وقلبه ، ف”سالت عيناه” ، واحترقت دارات عقله ، توقف محرك دماغه عن العمل . وأحس نفسه “كالأطرش في الزفة” ، لا يدري من أين يبدأ ، وأين ينتهي .. وكأنه يرى طلاسم لا يستطيع عقله استيعاب معانيها ، أو فهم فحواها ، وفك رموزها .. وأنى له أن يفعل !!

أعاد تقليب محتوى الموضوع في عقله وكأنه يبحث عن طرف خيط يمسكه ليستطيع حلّ ما احتواه من مسائل . أو علّ فكرة ما تلمع في ذهنه وتنير له الطريق ، فيرى الإجابة بوضوح . لكن أيّا من ذلك لم يحدث ، فبقي واجما وقد كاد يُنهي قلمه من كثرة العض والمضغ . وزاد توتره أضعافا ، وفكر بينه وبين نفسه : ماذا كان يفعل طوال هذه الأيام ؟ هل كان يضيّع وقته عبثا ؟ هل ذهبت جهوده سدى ؟ أم أن جهده لم يكن كافيا لاجتياز الاختبار ؟ .. فكر .. وفكر .. ثم نظر إلى بقية زملائه ليرى الكثيرين بمثل حاله أو أدهى .

فذاك يشد شعره ، والآخر يكاد يحفر الأرض بقدميه من شدة التوتر . وذاك وضع قلمه على أذنه وقام يتأمل الحديقة المقابلة للقاعة علّه ينسى الجحيم الذي أمامه . وآخر يتلفت يمينا وشمالا عسى ولعل عينه تلتقط جملة أوعبارة أو حتى مجرد كلمة قد تكون مفتاح الحل . وأحدهم وضع قلمه وشرد يراقب الجالس أول الصف ، وقد أحنى رأسه على الورقة فلم يرفعه مذ دخل ، ولم تتوقف أنامله عن الكتابة برهة واحدة ، وتمنى من أعماق قلبه لو كان مكانه أو عرف على الاقل مايكتبه ، وليس ضروريا أن يكون صاحبنا المنشغل قد عرف الجواب السديد ، ولكنه على الاقل كتب شيئا على الورقة .

ومر الوقت سريعا بالنسبة للبعض ، وبطيئا لآخرين . واعلن المراقب نهاية الامتحان . فسلم الجميع الأوراق ، وغادروا قاعة “الموت” ، وهم مابين شاحب شديد الاصفرار ، ومُزْرَقٍّ اللون أو أحمر الشدقين . وهناك من خارت قواه فلزم مقعده ، لأن قدماه قد خانتاه فما تطيقان حراكا . ولم يقل أحد شيئا عن الاختبار ، كيف كان؟ بل سكت الكل ، وقصدوا معاقلهم بهدوء وصمت ، وقد كتم كل واحد غمه بصدره ..

وجاء اليوم الموعود ، يوم كشف النقاط .. وعُلِّقت النتائج على السبورة . فالتف الجميع حولها ، وقلوبهم تكاد تبرح أماكنها أو تتوقف من الخوف والقلق . وقرؤوا النتائج ، فإذا هي لا تتعدى العشرة من العشرين ، بل هي محصورة بين الصفر والأربعة . وربما وجدت بين الحين والآخر سبعة أوتسعة في مكان ما . وإذا بحثت جيدا فقد تجد واحدا أو اثنين ، وصل المعدل أو تخطاه قليلا ، وقد لاتجد أحدا.

وتبدلت الأحاسيس ، فصار صاحب الواحد يواسي صاحب الصفر ويحمد ربه أن جهده أثمر على الاقل “بواحد” . وبدا صاحب العشرة بطلا يحاط بالتصفيق والتهاني ، وصاحب التسعة يمشي مزهوا لأنه على الاقل اقترب من المعدل وإن لم يصله .

فأين الخطأ في كل هذا ؟ أهو خطأ الطالب ؟ أم خطأ الأستاذ ؟ أم خطأ الاثنين ؟

بواسطة
manzili.life

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى