خواطرمنوعات
أخر الأخبار

السّعادة

هل أنت سعيد ؟

سؤال قد تطرحه على نفسك من حين لآخر .. وقد يطرحه عليك غيرك من مناسبة لأخرى .. قد تجيب وربما تعجز .. لأنك في لحظة ما وفي موقف محدد ، لا تدري إن كنت سعيدا أم لا .. ربما لأن مفهوم السعادة يختلف باختلاف الأشخاص والمواقف ..

فالطفل الرضيع يرى سعادته في وجود أُمّه بقربه ، في حنوها عليه .. في مناغاتها له وغنائها وهمسها في أذنيه. فيضحك ملء فيه ، وتغمره النشوة والسكينة.
والولد الصغير الذي سَلبت لُبّه لعبة رآها في واجهة المحل .. أو لَعِبَ بها مع صديقه فأعجبته ، سيكون أسعد الناس لو ظفر بها بين يديه.

والأم تجد سعادتها الغامرة فب ضحكات أطفالها .. في سرورهم .. في نجاحهم وتفوقهم. إن فرِحَتْ فإنما تفرح لأجلهم .. وإن كان هناك ما يمكنه إسعادها ، فهو تحلُّق صغارها حولها في بشاشة وحبور. الأم تسعد عندما ترى براعمها الصغيرة التي طالما اعتنت بها ، تكبر وتُزهر .. تَسْعَد عندما تراهم ماضين قُدُما في تحقيق أحلامهم ، وتَسعد أكثر عندما يصِلونها ..

والطالب الذي سهر الليالي مذاكرا ، وكد وتعب طوال العام .. يجد سعادته في نجاحه ، يجدها عندما يرى نفسه الرقم “واحد” .. ويحسها في ثناء الآخرين عليه وفي فرحهم لأجله ..
والحريص على جمع المال .. يحسب سعادته في جبال الذهب التي يكدسّها في خزائنه ، يُبهره وميضه ولمعانه .. ويبهجه رنينه . لكنه رغم ذلك يبقى لاهثا خلفه .. لأنه مهما ملك .. وقدرما حصل .. لا يحس أنه سعيد ، ويظل راكضا يجري خلف سعادته فلا يلحقها ..

يقول الحطيئة :

ولستُ أرى السعادةَ جمْعَ مال ولكنَّ التقي هُوَ السعيدُ
وتَقوَى اللهِ خيرُ الزادِ ذُخْــرًا وعندَ اللهِ للأتقــى مَزِيـدُ


والفقير المُعدم قد يراها في امتلاك قوت يومه ، أو في إيجاد منزل يأويه .. أو في مبلغ من المال يقيم أوده .. ويسدّ إقلاله.. ويقضي حاجته ..

وقد يجدها آخرون في رحلة استكشافية .. أو رياضة أو فن أو لعبة . والزهر يُفرحه قدوم المطر .. والفَراش يسعد بالربيع .. والعصفور بالطرب .. والغيث برَيّ الظمأ .. وغيرها من مظاهر السعادة .

تتغير معايير السعادة حسب الناس .. وحسب أحوالهم . وستجد ذات الشخص يراها اليوم في شيء وغدا في آخر .. لماذا ؟ .. لأنه ربط سعادته بالحوادث والأحوال .. والحال لا تدوم ..
السعادة الحقيقية – في نظري – ليست تلك التي تأتيني اليوم لترحل غدا .. وليس ذاك الفرح الذي يتملكني لوهلة ، ثم يفارقني من غير رجعة .

السعادة التي يريدها كل شخص ، هي تلك التي تبقى في الأعماق دوما .. مهما الحال تغيرت .. ومهما الظروف تبدلت وتحولت ..
هي تلك التي تحس نشوتها في نفسك وقلبك ” على طول” .. هي التي تشعرك بالألفة والراحة والسكينة .. وتبعث فيك الهدوء والأمان ..

سعادة التائب الأواب تبقى له دائما وبين جوانحه .. لأنه في اللحظة التي يذوق فيها حلاوة الإيمان يدخل عالما آخر .. عالم هادئ ، جميل ودافئ .. ويرى الجمال الحقيقي والغبطة الحقة .. ويبقى ذلك الشعور مصاحبا له مدى الحياة . السعادة التي يستشعرها من ولج رحاب الإيمان ودخل روضهُ ليست فرحة ساعة .. بل هي لذة تعيش معه وتظل تنمو وتكبر في داخله كلما زاد إيمانه . و من أجمل ما قالته رابعة العدوية :

يا سُرورِي ومُنْيتي وعمـادِي وأنــيســي وعُدَّتـــي ومُرادِي
إن تكُنْ راضيًا عليَّ فإنـي   يا مُنَى القَلْبِ قدْ بدا إسْعــــــادي


والقانع الراضي بما وهبه الله له .. المؤمن بقضائه .. بعدله وبرحمته .. هو أغنى وأسعد شخص في الوجود .. لأنه يعيش مرتاح البال .. هانئا .. مطمئنا .. لا تشده الدنيا بزخارفها وحبائلها .. لأنه يعلم أن رزقه مهما نأى عنه لن يُخطِئَه . فإذا استغنى حمد الله وشكره على فضله ، وجزيل عطائه .. وإذا أملق صبر وقنع . وسعى لطلب رزقه وهو يؤمن أن الله لن يضيعه ..

يقول الإمام الشافعي:

النفسُ تبكي على الدنيا وقد علمت أن السعادة فيها ترك ما فيهـا
لا دار للمرءِ بعد المــوت يسكُنها  إلا التي كانَ قبل الموتِ بانيها

سعيد أيضا من أسعد غيره ، وأحب لهم الخير ..
هل رسمت السعادة على وجه بائس يوما ؟ هل أغثت منكوبا ؟ أو فرجت عن مكروب كربه ؟
جرّب أن تفعل ذلك .. وستعرف معنى السعادة . العطاء شيء جميل وخلق نبيل .. إنه كالنسمة التي تداعب الخمائل في الروض المزهر .. فتتمايل باسمة نشوى . ليس ضروريا أن تعطي مالا .. فمُجرد ابتسامة صادقة تُقابل بها إخوتك كفيلة بإسعادهم وإسعادك .. كلمة طيبة تخاطب بها غيرك تكفي لتمسح الغبن عنهم .. المهم أن يكون عطاؤك نابعا من صميم قلبك .. وستجد لذَّتَهُ ماحَيِيتْ ..

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى