إسلامياتمنوعات

تبادل الأطباق في رمضان

افتتحت صباح الأمس بقصة طريفة رواها أخي نقلا عن مواقع التواصل . وفحواها أن سيدة استيقظت متأخرة عن وقت إعداد الإفطار . وبنباهة وسرعة تصرف وذكاء نسائي منقطع النظير ، أوقده الخوف من غضب زوج جائع ، سارعت البطلة إلى إعداد حساء “الفريك” الذي يفتتح الإفطار عند أغلب الجزائريين ، ووزعته على ست أطباق أرسلتها إلى الجيران . ليصلها بعد لحظات الرد بالمدد ، فقد أرسل كل جار طبقا من عنده ، كما اقتضته العادة . وهكذا اكتملت المائدة وحضر الإفطار على أتم وجه وأكمله ، ونجت الموقرة ، بحيلة مبتكرة .

فكرة كهذه لم تكن لتنجح لولا تلك العادة الجميلة التي ألِفها الناس خاصة في شهر الخير والكرم ، وهي عادة تبادل الأطباق بين الجيران في رمضان . ومع أن البعض يمارسها حتى في الأيام العادية كلما حضر المائدة طبق جديد لا يُصنع كل مرة ، أو وسّع الله على البعض في الرزق فأحبوا – لكرم فطري فيهم لم تَشُبه شوائب العصر – أن يشاركهم جيرانهم الخير ، لتصبح الفرحة فرحتين ، والأجر أجرين ، إلا أنها تكثر في رمضان خاصة لأسباب عدة . فهو أولا وقبل كل شيء شهر الخير الذي يسعى الناس فيه إلى أعمال البر . وثانيا ، لأن الناس يحبون تشارك وتنويع أطباق الإفطار ، فيقدم كلُّ لونا ليكسب صحنا . وهناك الفقر والعوز ، وقلة ذات اليد ، فترى البعض يرسل طبقا يعلم عجز جاره عن مثله ، وتوقه لأكله ، فيرسل مما توفر حبا وكرما ، وطلبا لأجر قد كتِب ، وإحسان قد وجب .

وأذكر في هذا الصدد ، قصتنا مع جار شاركناه القرب عام أو أقل ، فما وجدنا والله أفضل منه ولا أكرم في الجيرة ، وحسن السيرة . أذكر أننا صنعنا أول رمضان طبقا لا يحضر كل يوم ، وكان له رائحة زكية تفتح الشهية ، وتسيل اللعاب وتسلب الألباب ، وقد فشى ريحها ، وانتشر أريجها لتداعب أنف من يشتمها ، وتوقظ وحش جوعه . فأحب أبي أن يشارك جارنا العزيز مما جاءنا من الخير في أول الشهر. أرسلنا الطبق ، ولم تمض هنيهة حتى عاد الصحن محملا بوجبة من مائدة الجار . واستجابة لكرمه الذي لم نجده في جيراننا قبله ، أرسلنا طبقا آخر ليصلنا غيره سريعا . واستمر تبادل الأطباق أربعا أو خمسا ، حتى توقف أحدنا آخر الأمر . ولنا مع هذا الجار في التبادل حكايات وحكايات ، امتدت حتى في غير رمضان – حفظه الله وأغدق عليه ومن فضله وخيره وجعل الجنة مثواه ومستقره ، آمين -.

ومن القصص التي شاركها البعض في مواقع التواصل هذا العام قصة طريفة أخرى ، مُفادها أن سيدة أرسلت لجارتها فطيرة فرن ، لتبادلها الأخرى بطبق “بوراك” على ما أعتقد ، أخذت السيدة بعضه وأرسلت الباقي لجارة أخرى ، لترسل بدورها جزءا من نفس الفطيرة التي خرجت من الدار لتعود إليها في حلقة تبادل بين الجيران .

من العادات المشابهة ايضا ، ما يفعله الجيران في بعض المناطق من إعداد مائدة في الحي يملؤها كل جار بطبق من عنده يشاركه مع كل جيرانه ، فتعم بذلك الالفة وسطهم ، ويتشاركوا الخير فيما بينهم .

غير أن هذه العادة التي تربط الجيران ببعضهم ، وتقوي أواصرهم ، قد بدأت تندثر ، أو ربما اندثرت فعلا عند بعض الناس . وربما يرجع السبب إلى عدم تعارف الجيران فيما بينهم ، وعلاقتهم الميتة التي لا يحييها بين الفينة والأخرى إلا السلام . وربما من الاسباب ما صار يلحق البعض من السحر أو يسمعون عنه ، فجعلهم ذلك يتحفظون من أكل صنع الغير خشية الضر ، واتقاء للشر .

وليست عادة التبادل حكرا علينا اهل الجزائر ، بل هي كرم يمتد من المحيط إلى الخليج ، لتجمع القلوب بعضها إلى بعض ، وتهدم صروح الكره وأبراج البغض .

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى