إسلامياتتاريخمنوعات
أخر الأخبار

تاريخ وحكم الاحتفال برأس السنة الميلادية

يحتفل العالم الغربي كل عام برأس السنة الميلادية ، الموافق لـلفاتح جانفي (يناير) . وهذا بعد احتفالهم كذلك بما يسمى بعيد الكريسماس ، قبل قرابة أسبوع من ذلك ، أي في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر ، والذي يقابل حسب زعمهم يوم ميلاد المسيح عيسى عليه السلام . وإلى جانبهم ، يحتفل بعض المسلمين بذلك اتباعا لهم ولعاداتهم ، متناسين مبادئ دينهم وأحكامه ، ومعللين ذلك تارة بالتحضر ومشاركة الجميع فرحتهم ، وتارة بأن رأس السنة ليس له خلفية دينية بل هو بمثابة استقبال للعام الجديد ،والتفاؤل به … إلى غير ذلك من الأعذار والأقاويل .

والسؤال الذي نطرحه هنا ونجيب عنه ؛ ماهو أصل وتاريخ الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية ؟ وماهو حكم ذلك ؟

تاريخ الاحتفال برأس السنة


كانت احتفالات بداية السنة معروفة منذ آلاف السنين . لكن كلٌّ كان يحتفل ببداية تقويمه الخاص ؛ إذ كان المصريون ، مثلا ، يحتفلون ببداية عامهم الموافق للفيضان السنوي لنهر النيل . بينما احتفل الفينيقيون والفرس بالاعتدال الربيعي كفاتح لعامهم الجديد … وغيرهم الكثير .

غير أن الأكثر شهرة أن البابليين القدماء ، قد احتفلوا برأس السنة منذ حوالي 4000 عام ، والذي كان مرتبطا بالدين وبما اشتهر عندهم من أساطير . إذ تم اعتبار الاعتدال الذي يكون في أواخر مارس ، بداية عام جديد . وتم الاحتفال به كمهرجان ديني بدعوة من “أكيتو Akitu” ، أين كان يتم عرض تماثيل آلهتهم في شوارع المدينة .

ثم كانت السنة الرومانية التي توافق الاعتدال الربيعي . بعدها قام الامبراطور يوليوس قيصر بوضع الأول من يناير (جانفي) ، كأول يوم في السنة ، بعد الإصلاحات التي قام بها في التقويم الروماني الذي كان يحوي بعض الخلل. وقد سُمِّيَ ( أي يناير) كذلك نسبة إلى “يانوس” إله التغيير والبدايات الروماني . وقد كانوا يحتفلون به بتقديم تضحيات لـ”يانوس” أملا في نماء ثورتهم في العام الجديد .

لكن في العصور الوسطى ، في أروبا ، أصبحت هذه الاحتفالات تعتبر وثنية غير مسيحية . وبالتالي تم إلغاء الاحتفال برأس السنة واستُبدل بأعياد دينية عندهم ، كالــ 25 من ديسمبر الذي يعتبرونه يوم ميلاد المسيح وال 25 من مارس . و تم كذلك إعطاء الأول من يناير أهمية أو رابطا دينيا ، باعتباره عيد ختان المسيح ، وذلك بعد ثمانية أيام من ولادته ، مع أن تاريخ ولادته غير صحيح فعليا .

وفي عام 1582 ، أعاد البابا غريغوري الثالث عشر الاحتفال برأس السنة في الأول من يناير ، بعد إصلاحه للتقويم الذي صار معتمدا من قبل معظم الدول الكاتوليكية ، ومن ثَمَّ من الدول البروتستانتية .

حكم الاحتفال برأس السنة


الاحتفال برأس السنة ، أو تهنئة الكفار بها ، تدخل في حكم مشاركة الكفار المشركين احتفالاتهم .

ابن تيمية رحمه الله :

سئل رحمه الله تعالى عمن يفعل من المسلمين : مثل طعام النصارى في النيروز . ويفعل سائر المواسم مثل الغطاس ، والميلاد ، وخميس العدس ، وسبت النور . ومن يبيعهم شيئا يستعينون به على أعيادهم أيجوز للمسلمين أن يفعلوا شيئا من ذلك ؟ أم لا ؟

فأجاب : الحمد لله لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء ، مما يختص بأعيادهم ، لا من طعام ، ولا لباس ولا اغتسال ، ولا إيقاد نيران ، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة ، وغير ذلك . ولا يحل فعل وليمة ، ولا الإهداء ، ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك . ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار زينة . وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم ، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام ، لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم … ، وأما تخصيصه بما تقدم ذكره : فلا نزاع فيه بين العلماء . بل قد ذهب طائفة من العلماء إلى كفر من يفعل هذه الأمور ، لما فيها من تعظيم شعائر الكفر ، وقال طائفة منهم : من ذبح نطيحة يوم عيدهم فكأنما ذبح خنزيرا . وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : من تأسى ببلاد الأعاجم ، وصنع نيروزهم ، ومهرجانهم ، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك : حشر معهم يوم القيامة . وفي سنن أبي داود : عن ثابت بن الضحاك قال : نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل كان فيها من وثن يعبد من دون الله من أوثان الجاهلية ؟ قال : لا ، قال : فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قال : لا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك ، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم ” . فلم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل أن يوفي بنذره ، مع أن الأصل في الوفاء أن يكون واجبا ، حتى أخبره أنه لم يكن بها عيد من أعياد الكفار ، وقال : ( لا وفاء لنذر في معصية الله ) ؛ فإذا كان الذبح بمكان كان فيه عيدهم معصية . فكيف بمشاركتهم في نفس العيد ؟ بل قد شرط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والصحابة وسائر أئمة المسلمين أن لا يظهروا أعيادهم في دار المسلمين ، وإنما يعملونها سرا في مساكنهم ، فكيف إذا أظهرها المسلمون أنفسهم ؟ حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ” لا تتعلموا رطانة الأعاجم ، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم ، فإن السخط ينزل عليهم ” . وإذا كان الداخل لفرجة أو غيرها منهيا عن ذلك ; لأن السخط ينزل عليهم ، فكيف بمن يفعل ما يسخط الله به عليهم ، مما هي من شعائر دينهم ؟!

وقد قال غير واحد من السلف في قوله تعالى : والذين لا يشهدون الزور . قالوا أعياد الكفار ، فإذا كان هذا في شهودها من غير فعل ، فكيف بالأفعال التي هي من خصائصها . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في المسند والسنن ، أنه قال : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) وفي لفظ : ( ليس منا من تشبه بغيرنا ) وهو حديث جيد ؛ فإذا كان هذا في التشبه بهم ، وإن كان من العادات ، فكيف التشبه بهم فيما هو أبلغ من ذلك ؟

ابن العثيمين رحمه الله

تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق ، كما نقل ذلك ابن القيم – رحمه الله – في كتابه ” أحكام أهل الذمة ” ، حيث قال : ” و أما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالإتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم و صومهم ، فيقول : عيد مبارك عليك ، أو تهنأه بهذا العيد و نحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات و هو بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله ، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر و قتل النفس ، و ارتكاب الفرج الحرام و نحوه . و كثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ، و لا يدري قبح ما فعل ، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله و سخطه ” . انتهى كلامه – رحمه الله – .

وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً و بهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، و رضا به لهم ، و إن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه ، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره ، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك ، كما قال الله تعالى : ” إن تكفروا فإن الله غني عنكم و لا يرضى لعباده الكفر و إن تشكروا يرضه لكم ” [ الزمر: 7 ] و قال تعالى : ” اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً ” [ المائدة: 3] .

وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا .

وإذا هنؤونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك، لأنها ليست بأعياد لنا ، و لأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى ، لأنها إما مبتدعة في دينهم ، و إما مشروعة لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه و سلم إلى جميع الخلق ، و قال فيه : ” و من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين ” [ آل عمران:85 ] .

وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام ، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها .

وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة ، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى أو أطباق الطعام أو تعطيل الأعمال و نحو ذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” من تشبه بقوم فهو منهم” .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ) : ” مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل ، و ربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص و استذلال الضعفاء ” انتهى كلامه – رحمه الله – .

ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة أو تودداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب ، لأنه من المداهنة في دين الله و من أسباب تقوية نفوس الكفار و فخرهم بدينهم .

و الله المسؤول أن يعز المسلمين بدينهم و يرزقهم الثبات عليه و ينصرهم على أعدائهم إنه قوي عزيز .

ابن باز رحمه الله

لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم ، بل يجب ترك ذلك ؛ لأن ” منَ تشبَّه بقوم فهو منهم ” ، والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم ، فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك ، ولا تجوز لهما المساعدة في ذلك بأي شيء لأنها أعياد مخالفة للشرع ، فلا يجوز الاشتراك فيها ، ولا التعاون مع أهلها ، ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بغير ذلك كالأواني وغيرها ؛ ولأن الله سبحانه يقول : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان )

الشيخ فركوس

السؤال: ما رأيُ الإسلامِ فيما يُعْرَف الآنَ باسْمِ: «عامٌ سعيدٌ» احتفالًا برأس السَّنَة الميلادية؟ أجيبونا مأجورين.

الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فيجدر التنبيهُ ـ أوَّلًا ـ إلى أنه ليس للإسلام رأيٌ في المسائل الفقهية والعَقَدية على ما جاء في سؤالكم؛ لأنَّ الآراء تُنْسَبُ لأهلِ المذاهب الاجتهادية المختلِفة، وإنما للإسلام حكمٌ شَرْعِيٌّ يتجلَّى في دليله وأمارته.

ثمَّ اعْلَمْ أنَّ كُلَّ عملٍ يُرادُ به التقرُّبُ إلى الله تعالى ينبغي أَنْ يكون وَفْقَ شَرْعِه وعلى نحوِ ما أدَّاهُ نبيُّهُ صلَّى الله عليه وسلَّم، مُراعِيًا في ذلك الكمِّيةَ والكيفية والمكان والزمان المعيَّنة شرعًا، فإِنْ لم يَهْتَدِ بذلك فتحصلُ المُحْدَثاتُ التي حذَّرَنا منها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قوله: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(١)، وقد قال تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْ﴾ [الحشر: ٧]، وقال تعالى: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣﴾ [النور].

والاحتفالُ بمولِدِ المسيحِ ـ عند النصارى ـ لا يختلف حكمُه عن حكمِ الاحتفال بالمولد النبويِّ؛ إذ لم يكن موجودًا على العهد النبويِّ، ولا في عهدِ أصحابِه وأهلِ القرون المفضَّلة، وإنَّ كُلَّ ما لم يكن على عهدِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِه دِينًا لا يكون اليومَ دِينًا على ما أشارَ إليه مالكٌ ـ رحمه الله ـ لمَّا قال: «مَنِ ابْتَدَعَ فِي الإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم قَدْ خَانَ الرِّسَالَةَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗا﴾ [المائدة: ٣]»(٢). فضلًا عن أنَّ مِثْلَ هذه الأعمالِ هي مِنْ سُنَنِ أهلِ الكتاب مِنَ النصارى الذين حذَّرَنا الشرعُ مِنِ اتِّباعِهم بالنصوص الآمرة بمُخالَفتهم وعدَمِ التشبُّه بهم؛ لذلك ينبغي الاعتصامُ بالكتاب والسنَّة اعتقادًا وعلمًا وعملًا؛ لأنه السبيلُ الوحيدُ للتخلُّص مِنَ البِدَعِ وآثارِها السيِّئة.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

وللاستزادة يمكنك الاطلاع على : حكم الاحتفال براس السنة – ابن العثيمين ، حكم الاجتفال برأس السنة – ابن باز

المراجع


  1. April Holloway, “The Ancient Origins of New Year’s Celebrations” , ancient-origins , 30 – 12 – 2013

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى