منذ انتشر في البلاد خطر الكورونا ، وتوغلت ناره تحرق الأخضر واليابس .. سارعنا مع مَن سارع لأخذ الحيطة والوقاية من شر هذا الوباء الفتاك ، الذي لا يحل بأرض إلا نشر فيها الرعب والخوف .. و “الموت” .
مرّ عام أو أكثر ، وضاق الناس ذرعا بالقيود التي فرضها علينا السيد “كوفيد” ، وانقدنا لها مرغمين، مادمنا لا نملك في شأنها حلا ولاربطا .. وآل بهم الحال إلى استخفاف المرض والتقليل من شأنه ، والعودة بالحياة -رغم أنفه – إلى سابق عهدها . فاندفعت موجة التمرد على قوانين الحجر ، وانقطع حبل الرقابة من ولاة الأمر .. وشهدت المعاقل الخارج والداخل ، واختلط الحابل بالنابل ، وفُتِح باب الزيارة على مصراعيه ، وصارت الكمامات أساور لليد أو أقراطا للأذن ، أو أغطية للذقن ، ومنها ما استقر في الجيب لا يبرحه ، أو في عُلَبِهِ على رفوف الصيدليات لا يجد من يطلبه .. إلا من رحم ربي .
في هذه الفترة التي شهدت التهاون الملحوظ من فئات لا بأس بها من الشعب – إن لم تكن الأغلب ، جاءنا في العيد زوار من ولايات أخرى ، عايَدونا وسامَرُونا ، ثمَّ غادرونا تاركين أحد جنود “الكوفيد” خليفة في البيت ليقوم بمهمته في إبادة من تبقَّى من ساكنيه .
طبعا ، لم نعلم بوجود الزائر المتطفل ، إلا عندما أصاب أبي الإعياء ، ثم الزكام ، لتحل بعدها “زائرة الليل ” كما سماها المتنبي حين قال عن حمّاه :
وزائرتي كأن بها حياء … فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا … فعافتها وباتت في عظامي
وهكذا فعلت “العزيزة” حين قصدت أبي تحت جنح الظلام تمشي على استحياء ، ثم اغتالته على حين غِرَّة واستقرَّت بعظامه لتوهنها وتقضّ مضجعها . هنا رن ناقوس الخطر .. وشك الوالد في أمره ، ليسارع بالفحص ويكتشف اللص المتسلل إلى جسمه . ثمَّ إنَّ الظنون والخواطر السيئة لم تفارق ذهنه خوفا من أنّ الفيروس قد “نطّ” منه إلى غيره ، ولم يهدأ له بال حتى أجرى الفحص لجميع من في البيت لنكتشف انتشاره في نصف الأهل .
هنا فرضنا الحجر على الجميع مع عزل المرضى كلٌّ في جهته ، وأعلنا حالة الاستنفار ، وأوصدنا الأبواب حتى إشعار آخر . شمرنا عن السواعد وعصبنا الرؤوس ، وشرينا ما وصفه الطبيب من الأدوية ، واتَّخذنا “الشِّيحَ” حُساما ، و “الكاليتوس” لِجاما ، و”الزعتر” رمحا ، و”القرنفل” سِنانا . وتسلَّحنا برشاش التعقيم نرش به كل بقعة ، ونمسح به كل قطعة ، وب”الجافيل” نغسل به كل ما وصلت إليه يد المرض . وصار حساء الخضر الساخن لا يفارق الطاولة ، والبصل والثوم هما سر الطبخ ، وأسياد الوصفات . والتزمنا بكل ما هو صحي من خضر وفواكه ، ومقادير موزونة من اللحم -ماتوفر منه دجاجا أو سمكا ..- .
ومع التزام هذه التدابير ، لم تكد تنقضي أيام خمسة حتى كان الفيروس قد شدّ رحاله إلى عالم الفناء . ومع ذلك ، فقد واصلنا على نفس المنوال ، لعشرين يوما أخرى لنتأكد من سلامة المصابين ، ونحمي المُعافين . وها نحن ذا بحمد الله بأكمل صحة ، وأتم عافية.
ورغم أن الالتزام بكل هذه التدابير متعب خاصة لمن كان له أكثر من مريض كما في حالتنا ، إلا أن الصبر والمتابعة ستثمر الفرج والبرء بإذن الله .
وإليكم تلخيصا للتدابير التي التزمنا بها للخروج من لباس المرض :
- تناول الدواء الموصوف من طرف الطبيب في وقته ، وأغلب تلك الأدوية فيتامينات أو مقويات .
- عزل المرضى عن المعافين ، وتعقيم وتنظيف غرفهم باستمرار ، مع تعريض الأفرشة للشمس كل يوم ، وتغيير ملابسهم كل صباح لأن الحمى تسبب التعرق الشديد (كما حدث مع من مرض به عندنا)
- شرب شاي النعناع مع الشيح والقرنفل (وقد كنا نضيف الزعتر والتيزانة )
- تناول الطعام الصحي ، كحساء الخضر ، والفواكه مع عدم الإكثار منها ، وحصة مقدرة من البروتين .
- تقليل السكر والملح قدر الإمكان .
- إعطاء الجسم نصيبا كافيا من الراحة .
هذه التدابير اتبعها أكثر من نعرف ممن أصابه الفيروس وشُفي منه بفضل الله ، والأهم هو الحد ومن انتشاره بين الأقربين. وإن توفر لك اللقاح فلا تتردد في أخذه .
أما الرسالة التي أوجهها للجميع ،فهي ألاّ يستخفوا بالمرض ، ولا يُصغروا من شأن ما يلحقهم من أعراضه مهما قلّت ، وأن يبادروا بالفحص عند كل بادرة للشك ليقوا أنفسهم ويحموا الآخرين .
نسأل الله أن يشفي كل مريض ، ويحمي كل سليم ، ويُبعد الداء والوباء عن الجميع ، ويحفظنا بحفظه .