ثورة نوفمبر ..

من أعالي جبال الأوراس .. انطلق الرصاص .. ليعلن للدنا فجر الخلاص .. قائلا للتاريخ بملء فيه : “هذا السبيل ولا مناص ، وذا يوم القصاص ” . ذاك هو نوفمبر .. بداية النهاية .. ونهاية الحكاية . حكاية الظلم والطغيان ، والقتل والعدوان . ثورة ضد الجبان الغاصب ، و نهاية للسلام الكاذب . نهاية التجبر ، وأسطورةِ الجيش الذي لا يُقهر .

في الفاتح من نوفمبر ، عام أربع وخمسين وتسعمائة وألف ، ومن جبال الأوراس الشامخة ، وبالتحديد من نفق تاغيت ببلدية تكوت ولاية باتنة (الأوراس) وبالقرب من الوادي الأبيض الأبيّ ، في منتصف الليل ، انطلقت أول رصاصة معلنة بدء القتال ، وحرب النضال ، وثورة الأبطال .

ولْنَعُد أياما ، أو شهورا ، بل سنينا للوراء قبل هذا اليوم . فالثورة لم تكن فكرةً وليدة اللحظة ، أو ابنة يوم أو يومين . بل كانت تخطيط ليال وأيام ، وسنين وأعوام . كانت قنبلة في صدور الأباة من أبناء الجزائر ، وتفجرت عندما بلغ الظلم أوجه ، والتجبر قُنّته ، وفاض الكأس ، وبلغ السيل الزبى والسكين العظم . تفجّرت عندما أُفلِت الصّمام ، وشُدّ الزّمام .. زمام النضال ، وعِنان النزال . تفجرت عندما أيس النّاس من كذب الوعود ، ومن زيف العهود ، ومن العيش المكبّل بالقيود .

بوادر الثورة :

كانت أول بوادر الثورة بعد مجازر 8 ماي 1945 م الشنيعة ، ومذابحها المريعة ، و دستور 1947 م الذي أصدرته السلطات الفرنسية في الجزائر . والذي نص على عدد من البنود والإغراءات أهمها :

وغيرها من النصوص الباطلة ، والإغراءات الفاشلة ، التي لم تجد لها عند الشعب صدًى ، ولم تلق مؤيدًا، إلا مِن رِعديدٍ جبان ، أو عميلٍ خوّان .

وقد أكدت هذه الأحداث ، أن النضال السياسي عقيم لا يثمر ، وأن السلم كذبة ، والقتال هو الحل ، وهو السبيل الأوحد ، لأن ما أخذ بالقوة لايُسترجع إلا بالقوة . وصمم على إثرها الشباب المناضل على حمل السلاح ، وإتمام الكفاح ، لا بالكلام والخُطب ، بل بالبنادق والحِرب .

فتأسست بادئ الأمر المنظمة الخاصة السرية التابعة لحزب الشعب عام 1947 م ، وقد كانت نواة للثورة ، وللبركان المتفجّر البؤرة . أنشأها “محمد بلوزداد ” ، وكان هـدفها العمل من أجل إعداد ضباط الـجيش الـجزائري تمهيدًا لخوض الـكفاح المسلح. وقد نظمت عدة عمليات كعـملية سويداني بوجمعة مع بعض الـمناضلين عـام 1948 ، إذ قاموا بـالهجوم على مخزن الـمفرقعات وعملية بريد وهـران في السابع من أفريل 1949 ، وذلك بغرض تأمين الأموال الـلازمة لـلعمليات الـمقـبلة. لكن تم اكتشافها من طرف السلطات الفرنسية سنة 1950 ، و ألقي القبض على ثلة من مناضليها ، في حين هرب الآخرون إلى الجبال .

التحضير للثورة

لم يكن اكتشاف المنظمة الخاصة موتا لفكرة الثورة ، أو قبرا لمخططات النضال . بل إن ذلك ما زاد الثوار إلا إصرار ، وزاد نيران غضبهم استعارا . فزرعوا تلك الفكرة بعقولهم ، وأجّجوا عزائمهم بقلوبهم ، وظلوا يعدون ويخططون ، ويرسمون مسار الجهاد ، ويحضرون ليوم السداد . حتى اقترب الأجل المحدود ، واليوم الوعود .

وقد سبق اندلاع الثورة ندوات واجتماعات ، وكان مسار ذلك كالآتي :

تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل :

تأسست في 23 مارس 1954 من طرف أعضاء من المنظمة الخاصة وبعض من المركزيين (والمركزيون هي إحدى الفرق التي نشأت عن حزب الشعب بعد أزمته المعروفة ) ، وكان قائدها بوضياف ، وتضم عداد وقد أُنشأت للأهداف التالية:

و رغم فشلها في مسعاها التوفيقي بين المصالين والمركزيين إلا أنها نجحت في تبليغ نداء العمل المسلح . ولما فشل المركزيون في تحقيق أهدافهم انسحبوا منها . وظل أعضاء المنظمة الخاصة على رأيهم يتفجير العمل المسلح ، ومن هنا اجتمع رأيهم على دعوة أعضاء المنظمة الخاصة للاجتماع الذي عرف بلجنة ال 22 . وقد عُقد هذا الاجتماع في 25 جويلية 1954 بالجزائر العاصمة في منزل “إلياس دريش ” ، برئاسة مصطفى بن بولعيد ، وحضره كل من : باجي مختار، عثمان بلوزداد، رمضان بن عبد المالك، مصطفى بن عودة، مصطفى بن بو العيد، العربي بن مهيدي، لخضر بن طوبال، رابح بيطاط، زبير بوعجاج، سليمان بو علي، بلحاج بوشعيب، محمد بوالضياف، عبد الحفيظ بوصوف، ديدوش مراد، عبد السلام حبشي، عبد القادر لعمودي، محمد مشاطي، سليمان ملاح، محمد مرزوقي، بو جمعة سويداني، زيغود يوسف وإلياس دريش . ونوقشت فيها النقاط التالية :

وتم بموجب هذا اللقاء ، انتخاب المسؤول الوطني محمد بوضياف ، الذي تولى بدوره اختيار أعضاء المكتب : مصطفى بن بولعيد ، محمد العربي بن مهيدي ، ديدوش مراد و رابح بيطاط .

الاجتماعات السرية

اجتماع 23 جوان 1954: الذي قرر دمج قدماء المنظمة الخاصة والتدريب على المتفجرات.

اجتماع أواخر أوت 1954: الذي استعرض نشاط اللجنة والتحضير.

اجتماع 23 اكتوبر 1954: وهو اجتماع مجموعة ال (6) وتم قيه القرار النهائي لبداية الثورة المسلحة وجاء فيه:

  1. المنطقة الأولى – الاوراس – بقيادة مصطفى بن بوالعيد ,
  2. المنطقة الثانية – الشمال القسنطينى – بقيادة مراد ديدوش,
  3. المنطقة الثالثة – القبائل – كريم بلقا سم
  4. المنطقة الرابعة -الجزائر العاصمة – وضواحيها – بقيادة رابح بيطاط,
  5. المنطقة الخامسة – وهران – بقيادة محمد العربي بن مهيدي) و المجاهد محمد بوضياف منسقا.
  6. المنطقة السادسة – الصحراء الجزائرية – بقيادة أحمد بن عبد الرزاق المعروف بسي الحواس.

الاتصالات الداخلية والخارجية :

ظروف اندلاع الثورة

دوليا

في فرنسا

داخليا (في الجزائر)

اندلاع الثورة

اندلعت الثورة في يوم الإثنين 1 نوفمبر 1954 الذي صادف عيد القديسين وتيَمُّنًا بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم . وكانت في شكل هجومات على مراكز العدو ومصالحه مثل: الثكنات العسكرية ،المزارع . وقد شملت كامل ربوع الوطن وتم توزيع بيان أول نوفمير كما أعلنت الثورة من إذاعة الصوت الحر بمصر وتركزت بالمنطقة الاولى ( الأوراس ) للعوامل التالية :


1. عوامل استراتيجية :

2. عوامل عسكرية :

مراحل الثورة

مرت الثورة بعدة مراحل :

  1. مرحلة الانطلاقة من 1954 إلى 1956 : تميزت بالقيام بهجومات وعمليات تستهدف مراكز العدو . وأهم ما حدث في هذه الفترة ، هجومات الشمال القسنطيني 1955 ، وإفشال مشروع سوستال.
  2. مرحلة التنظيم والتموين من 1956 إلى 1958 : وأهم ما كان فيها انعقاد مؤتمر الصومام
  3. مرحلة حرب الإبادة من 1958 إلى 1960 : وهي من أصعب المراحل لأن العمليات العسكرية توسعت بشكل كبير .
  4. مرحلة التفاوض من 1960 إلى 1962 : جرت فيها المفاوضات بين جبهة التحرير الوطني وفرنسا ، وانتهت بالاستقلال .

استراتيجيات تنفيذ الثورة على الصعيد الداخلي

التعبئة الشعبية

من خلال تجنيد وضم الشعب الجزائري إلى صفوف الثورة لدعمها ماديا ومعنويا ، وتمت عن طريق :

تنظيم الجماهير وتأطيرها

وهو إيجاد وخلق اتحادات وتنظيمات غير حكومية تؤطر الشعب وتنظمه ، وقد عملت جبهة التحرير الوطني على تأطير الجماهير من خلال :

تأسيس الاتحادات

تنظيم المظاهرات والإضرابات

1- إضراب 8 أيام (28 جانفي – 04 فيفري 1957) : دعت إليه جبهة التحرير الوطني ، وشارك فيه الشعب الجزائري بهدف :

2- إضراب الطلبة 19 ماي 1956: حيث هجروا مقاعد الدراسة والتحقوا بالثورة.

3- مظاهرات 11 ديسمبر 1960 : نظمتها جبهة التحرير الوطني ، وكان من ورائها الشعب الجزائري ردا على سياسة ديغول ، ومظاهرات المستعمرين المتمسكين بفكرة الجزائر فرنسية ، ودعم المفاوضات . وقد حققت نتائج هامة :

4- مظاهرات 17 أكثوبر 1961 : كانت في العاصمة الفرنسية باريس . نظمتها فدرالية جبهة التحرير الوطني . شارك فيها المهاجرون الفرنسيين لدفع فرنسا للدخول في المفاوضات ، ومنح استقلال الجزائر ، وأن جبهة التحرير الوطني هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري. و نتج عنها مايلي :

هجومات الشمال القسنطيني

هي عبارة عن هجومات عسكرية . خطط لها البطل الشهيد زيغود يوسف في المنطقة الثانية في منتصف النهار ، بداية من يوم السبت من 20 إلى 27 أوت 1955. وقد استهدفت 39 هدف على مراكزالعدو والخونة والمستوطنين .

أسبابها وظروفها
نتائجها

التنظيم المؤسساتي : (مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 ):

هو مؤتمر عُقد بالولاية الثالثة في الفترة ما بين 20 إلى 27 أوت 1956 بقرية ايفري بغرض زيادة تنظيم الثورة وضمان استمراريتها.

ظروف انعقاده

داخليا :

خارجيا :

قراراته

التنظيم العسكري

  1. تأسيس جيش التحرير الوطني لتسيير الثورة عسكريا
  2. الاعتماد على قرارت مؤتمر الصومام العسكرية والتي تمثلت فيم يلي :

استراتيجية تنفيذ الثورة خارجيا

عملت جبهة التحرير على تدعيم العمل السياسي والعسكري ، بجهاز دبلوماسي يعمل على التعريف بالقضية الجزائرية من خلال مايلي :

رد فعل و إستراتجية الاستعمار للقضاء على الثورة

داخليا

المخططات العسكرية

المخططات الاقتصادية الإغرائية

عبارة عن مناورات خداعية للشعب أهمها :

مشروع سوستال 1955 : عبارة عن مشروع إصلاحي اقتصادي واجتماعي جاء به الحاكم العام للجزائر جاك سوستال بهدف دمج الجزائر مع فرنسا وعزل الشعب عن الثورة . لكن فشل هذا المشروع ورد الشعب الجزائري عليه في 20 أوت 1955

مشروع قسنطينة 03 – 10- 1958 : هو مشروع اقتصادي إغرائي . أعلن عنه الجنرال ديغول عند زيارته لقسنطينة . بهدف: فصل الثورة عن الشعب ، ربط الجزائر أكثر بفرنسا ، خلق طبقة برجوازية مرتبطة بفرنسا ، إظهار الثورة عالميا على أنها ثورة جياع لا ثورة تحررية .

المخططات السياسية :

مشاريع التقسيم

  1. مشروع تقسيم الشمال إلى ثلاث مناطق 1957 : (قسنطينة ذات الحكم الذاتي و الإقليم الفرنسي في الجزائر ووهران . الحكم الذاتي لتلمسان ).
  2. مخطط تجميع المستوطنين لسنة 1961
  3. فصل الصحراء عن الجزائر : بداية من 10 – 01 – 1957 وتقسيمها إلى عمالة الساورة في بشار وعمالة الواحات في ورقلة عبر مرسومي 07/8/ 1957 و 07/12/1960 على الترتيب

خارجيا

تأكيد عدم جدوى المخططات الاستعمارية ونجاح الثورة

وهكذا استمرت الثورة وروادها ، والشعب الذي احتضنها وتبناها ، تحقق انتصاراتها الواحد تلو الآخر . حتى ختمت مسيرتها بالاستقلال . ( وسنذكر في مقال لاحق بإذن الله مراحل الاستقلال بدءا بالمفاوضات )

بواسطة
manzili.life
Exit mobile version