لفتات وثرثرات

طعم الحرية .. هل جربت ذوقه بعد الاختبارات؟

حين ترفع رأسك وترى السماء ماذا يجول بذهنك؟ أو بالأحرى ما الذي تشعر به في نفسك؟ إذا رأيت الزرقة تتخللها تلك الغيوم البيضاء وتعطي رونقا من الجمال الأخاذ، ثم ترى العصافير أيّا كان نوعها تبسط جناحيها بالتساوي فترى الثبات والاستقرار وأسمى أشكال الحرية. إذا سألتني -خاصة في هذه اللحظة – سأجيب بلا أدنى تردد: العطلة.

لست أقصد بكلامي هذا العطلة الأسبوعية من العمل أو التدريبات الرياضية ، بل يوم العطلة الأول من سنةٍ من العذاب الأليم ، إنه يوم الحرية . تستيقظ في صباح الغد وقد سقطت عنك الأعباء والأثقال وصرت حرا. تتناول الفطور في هدوء وراحة ، تفكر بروية في خطوتك التالية ، وأنت تعلم أنك لست ملزما بالسباق مع الوقت . اليوم كله لك ، افعل ماتشاء ، اقرأ ، دردش ، نم ، شاهد ، اليوم يوم عطلة .

الحرية بعد الاختبارات
الحرية بعد تعب الامتحانات

الحرية ..

هل سألت نفسك يوما ما هي الحرية ؟ إنها تختلف من شخص لآخر. فالعبد يراها التحرر من سيده. و الموظف هو اليوم الذي يتخلص فيه من حزم الأوراق في مكتبه. والأب هو الوقت الذي يجتمع فيه مع أهله ، أو يخلو فيه بنفسه. فكل شخص يرى الحرية بمنظوره. أما بمنظوري أنا ومن هم مثلي : التحرر من الامتحان وقيوده. يوم تضع كراريس المذاكرة و دفاتيرها بعيدا. يوم لا تستيقظ فزعا أن وقت المراجعة قد فات ، أو  أنك تأخرت عن الامتحان. هذا الشعور المرعب ، والحلم المزعج والعذاب الأليم ، كله يختفي صباح يوم العطلة .

العطلة  ..

هذه الكلمة وإن ذكرت اللفظة التي تدل على مجملها  إلا أني قصدت منها الجزء ، وهذا الجزء هو اليوم الأول  من عطلة الصيف ، هذا قصدي أيها القارئ. فبعد ذلك الجهد الذي يبذله الطالب في أسبوع الموت، أخيرا يتمكن من لفظ أنفاسه وطلب الراحة ، ويتمتع بريحها وجوها الجميل. تتغير أحواله فورا ، من لحظة نهاية العذاب يبدأ النعيم. النعيم الذي وإن كان قصيرا إلا أنك تعيش فيه كل لحظاتك. والعكس صحيح فالعذاب طويل حتى ولو كان فترةً محددةً كالامتحانات. تشعر بأن الوقت يسير ببطء وأنك لا تتقدم أبدا.

من اليوم الأول تبدأ بالعد التنازلي ، إن كان هذا لربما يكون مجرد هواجس تجتاح النفس،  إلا أن معرفة هذا لا يغير من حقيقة أن أيام هذا الأسبوع  أقسى الأيام وأسوؤها.

تستيقظ كل صباح بشعر أشعث ووجه منكمش  و عينين مغلقتين ، تؤدي واجبك الديني وتحمل الدفتر الذي ما تفتأ تعود إليه بعد كل خطوة تخطوها ، فتذاكر به إلى أن يصل وقت الغداء ، ثم تأكل الغذاء على مضض وسرعه ، وتقوم عائدا إليه. تواصل ما بدأته من المذاكرة ثم يأتي وقت الصلاة. تقوم للصلاة ثم تعود مرة أخرى إلى الدفتر الذي انكمش  من كثرة حملك له ، وعلت رؤوس صفحاته، و لعل أجمل وصف يشبه هذه  الرؤوس هو قولنا بلهجتنا ” كي الصباط تاع هيسوكا (أي مثل حذائه، وهو إحدى شخصيات الكرتون يرتدي حذاء كحذاء سندباد ) “.

تحررنا أخيرا ..

ثم ينتهي اليوم الأول، وكما قلت سابقا، يبدأ العد التنازلي. و تستمر  الأيام على هذا النسق ، إلى أن يأتي اليوم الموعود، اليوم الأخير . تتسارع فيه نبضات قلبك وتعلو محياك السعادة. و يستمد جسمك نشاطا لم تعهده في نفسك قط ، وتغدو فرحا مسرورا. وتوضع ورقة الامتحان وتكتب إجاباتك والقلب يعد الدقائق والثواني وينتهي الوقت . تخرج من قاعة الامتحان وكُلك أهبة للرحيل وتوديع المكان. تودع العصافير والأشجار والحيطان والطاولات وتنظر من بعيد إلى المدرسة وتقول” وداعا إلى عام جديد “. تركب النقل وتنطلق إلى المنزل طربا تغني أغاني السعادة والفرح. ولو كان لك جناحان لبلغت عنان السماء وتغدو إلى نعيم البرزخ الأبدي، إلى أعالي الفردوس وعقلك يغني بسرور ” غدا العطلة ” .     

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى