هل يعاني أطفالك من مشكل التبول اللاإرادي أثناء النوم ؟ هل يُشَكِّلُ ذلك عقدة لديهم أو مصدر خجل ؟ هل تغضب عندما تجد فراشهم مبللا كل يوم ؟ هل تعاقبهم ؟ .. هل تريد الحل ؟
أسئلة جوابها بالنسبة للأغلبية أن “نعم” ، ” كل هذا يحدث ، وكلنا نريد علاجا “.
كانت هذه المشكلة متداولة جدا في محيطنا ، فكثير ممن أعرفهم عانوا منها سواء هم أنفسهم ، أو مع أطفالهم لاحقا . وأكثر من يتعذب منها و يضجر ” الأمهات ” . وذلك أنّ تبعات الموضوع كلها تقع على عاتقهن ؛ من مساعدةٍ للطفل على الاستحمام ، وغسلٍ لملابسه التي لكثرة ما بلل لا يجد ما يلبس آخر المطاف ، خاصة عند العوائل الفقيرة أو متوسطة الحال التي لا يملك الطفل فيها إلا بدلة أو بدلتين وإن زاد فثلاثا ، تضطر بعدها الأم لتجفيف مابلّل باستخدام الموقد أو المدفأة (إن وُجدت) ، ثم غسل الفراش الذي ربما لا يملك بعضهم بديلا له . ولذا كانت بعض الأمهات تلجأ لتغليف الفراش بالنايلون الذي يستخدم في تغطية سقوف المنازل ، أو الجلد (كالجلد التي يستخدم لتغطية الشاحنات مثلا) ، ويا ما أبرده أيام الشتاء !! فيما يعمد البعض إلى تجريد الطفل من أغلب ملابسه ، لينام إن اقتضى الأمر ب”شورت “وقميص خفيفين ، وهناك من يُجبر على النوم عريانا !!!!
وكثيرا ما بحث الآباء عن حل نهائي لهذه المشكلة العويصة في نظرهم ، والمخجلة في نظر أطفالهم الذين يتوقون للاستيقاظ يوما بفراش جاف نظيف ، ودون الشعوربالدفء المقيت أسفلهم . وقد جُرّبت طرق كثيرة ، لكنها لم تنفع مطلقا عند أغلب الأطفال ، ولم يتوقف الطفل عن التبول إلا في عمر محدد أقصاه سن الثالثة عشر . ومن ذلك ماحدث مع أحد معارفنا ، الذي كان ابنه يتبول باستمرار ، فأخذه إلى الطبيب عله يشير عليه بعلاج ناجع ، أو حل نافع . فاقترح هذا الأخير أن يقوم بختان الطفل لينقطع عن التبول ، ففعل . لكن النتيجة كانت عكسية تماما ، أو كما عبر عنها هذا الشخص مغتاظا : “صار يبول بدل المرة اثنتين !!” . ثم اشار عليه بمنع السوائل عنه بعد العصر ، وكسابقتها لم تنفع أيضا ، ولم يتوقف ها الطفل إلا من نفسه لاحقا ، ودون إحساس منه .
ومن الطرق أيضا .. إيقاظ الطفل مرتين على الأقل للذهاب إلى الحمام أثناء الليل . وقد جربها أحد الآباء موقنا بنجاحها ، لكنه نفض يده من الموضوع مستسلما للأمر الواقع عندما اسيقظ طفله صباح اليوم التالي مبللا من رأسه إلى أخمص قدميه . وأذكر أن إحدى معلماتي أخبرتنا أنها جربت هذه الطريقة مع أحد أطفالها ، لكنه أبى إلا أن يفعلها ، وتبول في طريقه إلى الحمام .
كل ماذكرته آنفا ، كان معاناة وتجارب من أرض الواقع . والسؤال : ما رأي العلم في هذا الموضوع ؟ ما هو التبول اللاإرادي؟ أسبابه ؟ .. والأهم .. هل يمكن علاجه ؟
ما هو التبول اللاإرادي (Bed-wetting) ؟
هو ما يعرف عند الأطباء عادة بسلس البول الليلي (nocturnal enuresis) ، وهو نزول البول لا إراديا ، ودون تحكم من الطفل ، ويكون غالبا أثناء الليل . ويمكن أن نعد تبوله في الفراش مشكلة ابتداءا من سن الرابعة . لأن الطفل يكون قادرا على التحكم بنفسه في الذهاب إلى الحمام في أواخر السنة الثالثة حسب ما أثبتته الدراسات . وتدل الدراسات على أنه أكثر شيوعا عند الذكور مقارنة بالإناث .
والتبول من المشكلات الشائعة التي لا يكاد يخلو منها بيت أو أسرة . وهناك من يعاني منها من سن الرابعة إلى الثامنة ، أو من سن الرابعة إلى الثانية عشرة ، أو بين السادسة و العاشرة ، وبعضهم يعاني منها في سن المراهقة ، الأمر الذي يسبب حرجا كبيرا أمام الآخرين… وهناك من يتبول في النهار إضافة إلى تبوله في الليل ، ويحدث ذلك غالبا عند انشغاله باللعب .
يكون التبول اللاإرادي على شكلين أو نوعين :
- متقطع : وهو الذي ينقطع فيه الطفل عن التبول فترة من الزمن ، تصل لثلاثة أشهر على أقل تقدير ، ثم يعود بعدها للتبول من جديد .
- متصل : وهو الذي يتبول فيه الطفل باستمرار ودون انقطاع ملحوظ منذ ولادته . وهو الأكثر انتشارا بين الأطفال .
ولهذه المشكلة تبعات ، ومشاكل تصاحبها عند بعض الأطفال ، من الشعور بالخجل ، والنقص ، وبعض مشكلات النطق والكلام ، وكذلك انطواء الطفل ، أو عدوانيته لدى شعوره بالإهانة من أحد ما .
أسبابه
تنقسم أسبابه إلى عضوية ، وراثية و نفسية .
الأسباب العضوية (جسمية) :
وهي الأقل انتشار ، ونادرا ما تكون إحداها السبب ومنها :
- وجود التهاب في مجرى البول ، أو في المثانة ، أو في حوض الكلية .
- مشكلة في العمود الفقري ، كحالة الصلب المفتوح وهي عدم التحام العمود الفقري في أجزائه السفلى .
- الإصابة بمرض السكري
- مشكلات الهضم والإمساك والديدان المعوية
- عدم نضج الجهاز البولي ما يجعل من التحكم في المثانة صعبا .
الأسباب الوراثية :
ثبت أن للعامل الوراثي دورا أساسيا في هذه المشكلة ، وأن آباء الأطفال الذين يتبولون لا إراديا كانوا يعانون من نفس المشكل ، بما يقارب ثلاثة أضعاف حالات التبول الموجودة بين آباء الأطفال غير المتبولين .
الأسباب النفسية :
- الخوف والقلق من أمر معين ، كالقلق على مكانته في الأسرة عند قدوم أخ جديد ، أو الخوف من شيء معين كالظلام و غيره .
- قسوة الوالدين مع الطفل
- ضعف الثقة بالنفس والشعور بالنقص
- عدم الشعور بالأمان والطمأنينة
- المشاكل العائلية خاصة بين الوالدين ، والتي تجعل الطفل في قلق وحيرة وخوف
طرق الوقاية
تكون الوقاية ابتداءا من العامين ، أين يبدأ الوالدان في تدريب الطفل على التحكم في نفسه ، وضبط مثانته . ويجب عند ذلك أن يلتزم الآباء بما يلي :
- التحلي بالحزم مع الطفل وعدم الإهمال أو التساهل عند التدريب . وذلك حتى يدرك الطفل أن هذا الأمر ضروري ومهم . لكن في الوقت نفسه يكون لينا معه عطوفا عليه ، فلا يلجأ إلى العقاب الشديد أو التوبيخ ، أو الشتم والإهانة لأن هذا يشعر الطفل بالتوتر وبعدم الكفاءة وبالخزي واليأس و يزيد من خوفه . وهذا سيخلق مشكلة التبول ويزيدها ولن يقي منها . لذا فعدم التطرف في الأمرين واجب سواء في الإهمال والتساهل أو العقاب .
- مراعاة الفروق بين الأطفال . إذ ليس من الضروري أن يتعلم جميع الأطفال هذا في الوقت نفسه ، فقابلية التعلم تختلف من طفل لآخر ، وكذا درجة النضج . لذا يجب على الأبوين عدم القلق من هذا الأمر .
ما هو العلاج ؟
هناك طرق عديدة للعلاج ، قد ينجح بعضها عند بعض الأطفال ، في حين تفيد آخرين طريقة أخرى . ومن بين الطرق المجربة :
- اهتمام الوالدين بالطفل ، و مواجهة المشكلة بشكل هادئ وثقة ، تنتقل بدورها إلى الطفل فيكون أكثر جدية وعزما على التخلص منها .
- عرض الطفل على طبيب مختص في حالة كان السببُ العضويُ راجحًا .
- الاهتمام بمحيط الطفل وجَوِّهِ الأسري ، وإعطاؤه الأمان ، في حال كان السبب نفسيا ، ومحاولة تخليصه من خوفه وقلقه ومعرفة سببه .
- منع الطفل من شرب السوائل لثلاث ساعات أو أربع قبل النوم ، خاصة السوائل المدرة للبول . وتجنب الأطعمة المالحة التي تدفعه إلى شرب الماء بكثرة .
- إيقاظ الطفل بعد ساعة أو ساعتين من نومه ، حسب الوقت الملاحظ لتبوله ، كي يذهب إلى الحمام ، ثم إيقاظه مجددا بعد ساعتين للتأكد .
- وضع حمام قريب من غرفة الطفل ، لأنه قد يخاف الذهاب إليه ليلا ، فيتبول في فراشه .
- معاقبته بأسلوب لطيف يزيد حس المسؤولية لديه دون توبيخ ، كأن يكلف بتغيير فراشه المبلل وينظف سريره بنفسه ، أو يحرم من مصروفه ، أو يحرم من الخروج مع أصدقائه . وبذا سيبذل جهدا مضاعفا للتخلص من المشكلة .
- تدريبه على التحكم في مثانته وحبس بوله لفترة في النهار ، ثم يذهب إلى الحمام ليفرغه على دفعات . والاستمرار في هذا التدريب يجعله أكثر تحكما بنفسه .
- استخدام لوحة للنجوم ، يعلق الطفل نجمة عليها عندما لا يتبول في فراشه . وقد تستبدل النجمة باي مكافأة أخرى يرغب بها الطفل وتشجعه على التحكم بنفسه أكثر .
- طريقة الوسادة والجرس : تتمثل في وضع وسادة تحت الطفل تغلق فيها دارة كهربائية تؤدي إلى رن الجرس المتصل عند تسرب البلل ، فيستيقظ الطفل ، ويذهب إلى الحمام . واستخدامها مرارا يعود الطفل على عدم التبول تدريجيا .
شاركنا تجربتك مع التبول اللاإرادي ، وكيف تخلص أطفالك منها ؟
المراجع
- شارلز شيفر و هوارد ميلمان ، “مشكلات الأطفال والمراهقين وأساليب المساعدة فيها”
- عبد الكريم بكار ، “مشكلات الأطفال ، تشخيص وعلاج لأهم عشر مشكلات”