لفتات وثرثراتمنوعات

هل في غزَّة أطفال؟ .. الشدائد تصنع الرجال

تَذَكَّرتُ وأنا أشاهد أحد المنشورات عن أطفال غزة كلمات أنشودة كنت أرددها منذ الصغر للترمذي مطلعها:

مرحبًا يا صغار .. مرحبًا يا صغار

وغدًا تكبرُون .. تَحرُسُونَ الدِّيار

تُصبِحُون رِجالْ .. تُحسِنُون القِتَال

تُكسِبُـون البِــلاد  .. عِــزَّةً  وجَـــــــلال

ثمَّ توقَّفتُ وهلةً لأسأل: هل في غزة أطفال؟

لِأَنِّي والله مُذ بدأ القصف، وعَمَّ الرَّجف، ما رأيت إلا رجالا في أجساد صغيرة، وكبارا يقف السّنُّ عندهم في حَيرَة .. لأنهم جازوه وكذّبوه، فصَمَتَ وأَدبَر، وقد أكسَبَتهُمُ الأهوَالُ عُمرًا أكبر. فرضيعهم صار ابن عشر، وابن الخمس أصبح ابن عشرين، وابن العشرين قد جاز الأربعين. ولا تَسَل عمّن قضى ورَحَل، فذاك قد وصل ما حَفتْ في سَبِيلِ نَيلِه أقدَامٌ نَقَصَها الإِقدَام، وبلغ دارًا ليس تبلُغُها كاميرات الإعلام،  ولا صواريخ الظُّلَّام.

أطفال غزة .. بل كلُّ أطفال فلسطين، بَدَلَ أن يحمِلُوا في حقائبهم الأقلام والدفاتر، صارت حقائبهم مقابر . يحمل أحدهم أشلاء أخيه على ظهره، أو يسندها إلى نحره، بدل أن يحمل حقيبة “الدبدوب ذو القلوب” أو يحتضن دمية أرنبه المحبوب.

هل بقي في غزة أطفال؟

وأعود لنفسي وأسأل: هل بقي في غزة أطفال؟ لأنه بعد كل قصف يحصل، أو وابل صواريخ تهطل، لا تسمع إلا عن عشراتٍ ومئاتٍ منهم ترحل!! أو عن براعم فيهم تذبل .

أطفال غزة .. صار الواحد منهم يكتب اسمه على الأقدام والأيدي كيف تُعرف أشلاؤه، وتُدفن مع بعضها أعضاؤه، وربما إن ماتوا جَمعًا يُجمع في قبر أو كفن واحدٍ الأبُ وأبناؤُه!!

أطفال غزة يكتبون أسماؤهم على أجسادهم ليُعرفوا

صار الموت يأكل معهم ويشرب .. وينام ويلعب .. ومهما ذهبوا  ما زال بينهم لم يذهب، وحيثما أرادوا الهرب لم يجدوا منه المهرب. 

هذا ما يحصل عندما تَسُوسُ الحَمِير، وتَحكُمُ الخنازير . وما عَرَّفَ الحِمَار بِنُزولِ المضمَار أو خوض الغمار؟!  وما يُدري الخنزير عن حُسنِ التَّدبِيرِ وسَدَادِ التَّسيِير؟!

أمّا نحن فَصِرنَا نَخشَى الصُّوَر لأنها تحمل ريح الموت. ونكاد نصُمُّ آذَانَنا عنِ الأخبَار حتّى لا تخنقنا الحسرة، وتكوينا الجمرة.  ومَن –بِالله- يقوى قلبه أن يشاهد طفلا ينعى أخاه، وآخر يبكي أباه، ومضغة ضايقوها على الرّحِم فخرجت ولمّا يكتمل العظم ولا اكتنز اللحم. ومَن لا تؤلم قلبه الأشلاء المنثورة والأعضاء المبتورة. ومَن ذا يملكُ عَبرتَهُ أمام الأكفان وصُوَرِ الجُثمَان. وما لَنا في كل ذلك سلاح إلا الدّعاء، وعزاء إلا الرجاء .. والله فوق الظالمين.

ولا تدري عندما ترى المآسي هنا وهناك، أتبكي أطفال سوريا أم تندب أطفال فلسطين. ففي تلك الكبد وفي الأخرى العين، وكلاهما ارتدى ثوب الحداد من زمن ولم ينزعه. فحالنا كحال القائل:

بِالأَمسِ قُمتُ عَلَى الفَيحَاءِ أَندُبُهُم … واليومَ دَمعِي عَلَى المَسرَى لَهَتَّانُ[1]

فاللهم ارحم أطفال المسلمين في كل قطر ومصر ، وفوق كل أرض وتحت كل سماء.

كًنَّا صِغَارًا .. وَمَازلنَا

كُنَّا صِغَارًا عِندَمَا .. حَرَقُوا المَزَارِعَ وَالمَنَازِلْ
كُنّــَا  صِغَــارًا نَتَّقـِي  ..  بِأَكُفِّنَـــا وَقعَ القَنــَابِــلْ
نأوي إلى الأنقاض كي.. نَحتَاطَ مِن ضَربِ الزَّلَازِلْ
وَنَلُوذُ بِالأَبوَابِ مِن .. ضَرَبَاتِهم رَشْحًا  وَوَابِلْ
نَبكِي إِذَا قَالُوا “فُلَانٌ”.. مِن جِراحِ القَصفِ رَاحِل
وَنَعُودُ نَمسَحُ دَمعَنَا .. مَهمَا طَغَى الدَّمعُ وَحَاوَل

كُنَّا وَمَا زِلنَا صِغَارًا .. نَرتَقِي، نَفدِي، نُقَاتِل
لَا لَيسَ تُرهِبُنَا المَنُونُ.. وَلَيسَ تُفزِعُنَا الهَوَائِل
فَالجُرحُ صَارَ رَفِيقَنَا .. وَالمَوتُ أَصدَقُ مَن نُخَالِل

بقلم : آفاق


[1] غيَّرتُ البيت عن بيت لأحمد شوقي قال فيه: بِالأَمسِ قُمتُ عَلى الزَهراءِ أَندُبُهُم .. وَاليَومَ دَمعي عَلى الفَيحاءِ هَتّانُ

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى