لفتات وثرثرات

حديث نفس .. إلى متى هذا العجز؟

حديث نفس .. حديثٌ غالبا ما تخرج بعده بنتائج ، وتصحح معه أخطاء ومفاهيم، وتتولد بعده أفكار ، وتنبثق منه تغيرات وتطورات. وذلك حين تصدق مع نفسك، وتحدثها حديث الصديق الرفيق المعاتب الشفيق. وهذا بعضٌ من حديث نفسي أسوقه باختصار.

العجز

ينادي عليَّ منادٍ في نفسي أن اكتُب ما بدا لك ، ولا تأبه لتعبيرٍ وتركيبٍ وحسنِ لغة ، وبلاغةٍ وفصاحة. أكتُب من أجل أن تحفظ الفكرة ، ويوما ما ستعود إليها وتراجعها فتضبطها . وها أنا ذا أكتب ..

إن المرء ليرى نفسه قادرا على أن يدُكّ الجبال، ويبحر حول البلدان، وأن يغير العالم كيفما شاء ، فالأحلام تأتي وتتجدد كل يوم. وما إن يضع أول حجر أساس يرى العجز والصعوبة ، فييأس من أول ضربة ، وتصيبه الصدمة ، فيصبح متخاذلا .

ثم يسمع كلام محاضر أو خطيب قد يشغل الشرارة التي خَبَت ، والأمل المختبئ ، فيعيد الكَرَّة ، ويصبح الفشل ضعفين. وهو على هذا الحال ، فشل ما بعده فشل ، فيأتيه خاطر ، علام الجهد والكد ؟ مالك لا تستريح ؟ وهل العجز عيب ؟

ليس لكل امرئ أن يسعى نحو هدف أو يبني مجدا أو يخلد ذكرا . ماعليه سوى أن يعيش ويكفيه عيش مسالم وآمن. فمابالك تفني السنين في العمل الضنك الوعر ، ماله نتيجة و لا ثمرة ترجى ؛ هذا ماتقوله النفس حين الفشل ، فمن مستمع لها ومن طارد لها.

فالطارد لها امرؤ له مايفوق الحلم .. أرأيت إن كنت طالبا ترجو مديح أستاذك ؟ أرأيت إن كنت صبيا تود لو ينظر إليك والديك بعين رضا ومحبة ؟ فهذا الأخير يرجو أن يراها رب الكون ويرضى عنه . فلذلك السعي ، ولهذا الأمر يحمل نفسه الكثير ، وقد يفشل وقد يحزن ، لكنه حزين يعلم أن حزنه مبدد وأن الكرب يفرج وأن الفشل يحول نجاحا. فماباله لايسعى ومعه من لا يقهر ولا يقدر عليه شئ.

كان هذا الإنسان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم صار رجلا أو امرأة . فإن استوى عوده ، طلب الراحة وماعمل شيئا ، وأراد الحلو  وما رأى مرا . كلا ، عليه  أن يوفي حقه ، وليس المعنى أن يحمل نفسه فوق طاقتها ، أو أن يعذب نفسه ، بل عليه أن يتتبع الحق وطريق الرشد ، فتكون له أهداف لتحقيقه ، وإن كانت تختلف من عبد إلى عبد. فيرى المر ويرى العبق الجميل و يرى المصائب والأحزان ويرى الأتراح والأفراح . وهو بين ذاك وذاك صابر مثابر ، حامد شاكر . ولما لا يحمد؟ لما لايشكر؟ وله من ينصره ومن يحفظه ، ومن يستره و فوق هذا و ذاك يرحمه ، ويغفر زلاته . أرأيت خيرا كهذا الخير ؟! لا والله مارأيت .. كتب عليك السعي ، فَاسْعَ ، لا تجادل و لا تناضل من أجل راحة فانية ، بل اسْعَ من أجل راحة أبدية ، لا ينازعك فيها أحد ، ولا يردك عنها أحد ، مسعانا لنا كنز ونور ، فقوموا له ، فإن عَجَزَتِ الأيدي فلن تعجز القلوب .

هذا ونحن لا نزال عاجزين ، فقوِّنا اللهم وافتح علينا ، إنك أنت الفتاح العليم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى