منوعات
أخر الأخبار

أسماء غريبة .. وتفكير أغرب !!

أنْجَبَتِ الأول و مات ، ثم تبعه ثان ، فثالث ، فرابع ، وكلهم لاقوا المصير نفسه .. لا تلبث الفرحة تعم بمقدمه حتى يموت . ماكان منها في ظل هذه المآسي المتتاليات ، إلا أن تتبع ما أشارت به ” المخضرمات” من عجائز المنطقة ، لتضمن لأولادها العمر المديد والعيش السعيد . فما إن خرجت الخامسة إلى النور ، حتى سارعت بوضعها في “زبالة “بعيدة قليلا عن البيت . لتقضي الطفلة أول أيام حياتها في حاوية قمامة بعيدا عن الحضن الأثير والفراش الوثير . وعندما شارفت الشمس على المغيب ، أرسلت الأم شخصا آخر مختلفا عن الذي أخذها أول الأمر ، ليعيدها إلى البيت ، وهذا الطقس ضروري ليتم الأمر على أكمل وجه ، وتُحصد النتائج المنتظرة . ثم تُختم الحكاية بإطلاق اسم “طيوشة” على البنت ، وبهذا عاشت وعاش من بعدها من الإخوة بسعادة وسلام ، و”عافها الموت” !!؟؟

ليعافه الموت ..

“طيوشة” ، “مطيشة” ، “طيوش” وغيرها من الأسماء الغريبة التي تعني بلهجة أهل الجزائر “المرمي” ، أي الذي رماه أحد . كنت أسمع هذا الاسم كثيرا من حكايات أمي عن بعض عجائز العائلة اللاتي يحملنه ، ولم يتبادر إلى ذهني يوما أن أسأل لم هذا الاسم بالذات ؟ ولأي سبب ؟ رغم كمِّ الاستغراب الذي كان يتملكني كلما سمعته . فمن يقبل أن يسمى باسم كهذا ؟ لكني كنت أعزوه إلى غرابة التفكير التي كانت تميز كثيرا من كبار السن ، وتَمسُّكِهم بأمور يراها جيل اليوم غريبة وأحيانا سخيفة ، لا تخطر على بال .

لكني عرفت أخيرا تفاصيل هذا الاسم وحكايته من إحدى العجائز التي حكت قصة حملها لاسم “طيوشة” ، وهو ما أوردتُه في السطور الأولى . الخوف من موت الأولاد ، وخرافة تضمن عيشهم ، و” نفور ” الموت منهم ، و للأسف لازال هناك من يصدقها ، ويجري خلف أكاذيب العجائز والكهنة والسحرة ، لينفذ ترهاتهم ، ويسير خلف طقوسهم القذرة ، غير آبه لما سيلقاه هذا الطفل إن كبر ، جراء اسمه السخيف المخجل ، وحكاية ولادته التي يشمئز السامع منها .

” ليعافه الموت” ، شعار ، بل ذريعة يتخذها كثير من الآباء عند تسميتهم أولادهم أسماء غريبة ، ينفر السامع منها ويستهجنها . أسماء قذرة ، فضلا عن غرابتها . إذ تجد من يسمي ابنه “خامج” وتعني الشيء القذر ، كي لا يموت مبكرا . وأسماء أخرى كثيرة تخجل حتى من لفظها أو سوقها .

” شهموني” و “بركات” ..

رزقه الله ببنات عدة ، ولما أنجبت زوجته بنتا أخرى وكان شوقه عارما لولد ذكر ، سماها لشدة سخطه “شهموني” ، لا أعرف كيف أُعطِي معناها الدقيق بالفصحى ، لكنها تستخدم عادة لشيء كرهته لكثرة ماحدث لك ، وضقت به ذرعا ، وهو يعني بتسميته هذه أنه ضاق ذرعا بالبنات .

شخص آخر رُزق الذرية الكثيرة ، الولد تلو الآخر دون انقطاع ، حتى اجتمع عنده الكثير . فلما وُلد له ولد جديد سماه “بركات” ، وتعني أنه اكتفى من الأولاد نهائيا .

قد يكون اسم “بركات ” رغم سوء نية من سماه أهون بكثير من غيره ، لأن بالإمكان حمله محملا آخر ، وفهمه على أنه جمع “البَركَة” ، وهو متداول في بعض البلدان بهذا المعنى . لكن ما حيلة غيره واسمه يحمل معنى لا تأويل آخر له إلا ما قُصد به ؟ وما ذنب البنت إن كان أبوها قد اكتفى من البنات وأبى الله إلا أن تكون تتمتهن ؟ ما ذنب من اختار والداه اسم “خير من ماكانش” فقط لأنه لم يكن على قدر تطلعاتهما ؟

ما ذنب “بركاهم” ، و ” حلوفة” أي خنزيرة ، و”شقالراس” أي شقاء للراس و هَمٌّ على هَمّ ، و”بايتة” أي قديمة ، إن كانوا قد جاؤوا في ظرف لم يكن آباؤهم راغبين بهم فيه ، أو ساخطين فيه على الذرية وغيرهم يبذل روحه من أجل طفل واحد !!

وما ذنب “تفاحة” ، و”إجاصة” ، و “خوخة” وغيرهن إن كان آباؤهم مولعين بالفاكهة ، عاشقين للأرض وما أنجبته ، وهم أهل زراعة وفلاحة . ما ذنبها أمام سخرية الأقران ، وضحك الصبيان ، واستهزاءٍ يلحقها أينما حَلَّت وحيثما نزلت.

على اسم المرحوم جدي ..

أسماء كثيرة لا أعرف معظم معانيها ، وأشك أن من سماها قد يعرفه . يطلقونها بكل رضى وراحة بال على فلذات أكبادهم متجاهلين قذارة المعاني ، وغرابة الاسم ، وكمية السخرية والإحراج الذي سيطول أولادهم في المستقبل ، وغير مراعين لتبدل الأجيال ، واختلاف العقليات .

ربما كانت بعض الأسماء متقبلة في عهد ما ، و بغض النظر عن حسنها أو قبحها ، لم يكن حملها مشكلة في جيل معين . لكن الوضع اختلف ، وكثير من أمور الجاهلية التي كان أجدادنا غارقين فيها عن جهل وقلة علم و غياب الناصحين والمرشدين من أهل العلم والمثقفين قد طُمست مع انتشار الوعي والعلم . و أصبح الناس يميزون الحسن من القبيح ، والجيد من السيئ . ومن لا يعلم يسأل ، ووسائل السؤال وطرقه اليوم كثيرة .

ومع ذلك تجد بعض الآباء متمسكين بأسماء أصبحت مدعاة للسخرية . وصار حملها يشكل عقدة للولد أو البنت لما يلقاه من الناس بسببها . و إن سألتهم أو لُمتهم على اختيارهم زجروك وثاروا ، فما العيب في اسم جده حتى يترفع عنه ؟ ومتى كان اسم الأجداد شيئا يُخجل منه ؟

لكن ، ما ذنب الطفل إن كان اسم جده “طيوش” ، وماذنب البنت إن كانت جدتها ” علجية” أو “برهوشة” أو “طيوشة ” أو “بختوتة” ، أو .. أو ..

الأرواح الشريرة تتبع هذا الاسم ..

سمى ابنه اسما فمرض ، ولازمه المرض أياما . فما كان منه إلا أن قصد “الطالب” كما يسمونه (أي كاهن أو ساحر لكن كثيرا من الناس تتجاهل هذا الأمر وخاصة فئة العجائز) ، ليشير عليه هذا الأخير بضرورة تغيير اسم الطفل لأن مرضه بسبب اسمه الذي تتبعه الأرواح الشريرة والشياطين . وعندما غُير اسمه شُفي !!

قد لا تصدق هذه القصة ، ولو لم تحدث لاشخاص أعرفهم حق المعرفة ما صدّقتها . الغرابة ليست في أن الطفل مرض ، فالمرض وارد وأسبابه كثيرة وعلاجه موجود . لكن الغرابة فيمن يصدق سخافة كهذه ، ويطبقها ، والأدهى أنها من قول ساحر كذاب يستغل ضعاف العقول ليسوق ترهاته ويجني الأموال الطائلة ، لأن الناس ستقصده باستمرار طالما النتائج مضمونة !!

سموهم بأحسن الأسماء ..

اختيار الاسم الحسن للأولاد حق من حقوقهم ، يُحاسب عليه الآباء .

فقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يشكو إليه عقوق إبنه فأحضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إبنه وأنبه على عقوقه لأبيه،

فقال الابن : يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه ؟

قال : بلى ،

قال : فما هي يا أمير المؤمنين ؟

قال : أن ينتقي أمه ، ويحسن اسمه ، ويعلمه الكتاب (القرآن).

فقال الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك : أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي ، وقد سماني جعلاً ( جعراناً ) ، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً.

فالتفت أمير المؤمين إلى الرجل، وقال له : أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك ، وقد عققته قبل أن يعقك ، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.

هذا وقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم بانتقاء أحسن الأسماء لأولادنا ، فعن عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ ) . وكان صلى الله عليه وسلم إذا لم يعجبه اسم غيره إلى أحسن منه . فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : ” كان اسمي عبد عمرو – وفي رواية عبد الكعبة – ، فلما أسلمت سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن ” . وقد غَيَّرَ اسْمَ بَرَّةَ إِلَى اسْمِ زَيْنَبَ. وهي زينبُ بنتُ جحشٍ رضي الله عنها . و مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما : أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم غيَّر اسْمَ عاصيةَ وقال : «أَنْتِ جَمِيلَةُ» .

و لهذا وجب على الآباء تسمية أبنائهم بأسماء حسنة جميلة ، والابتعاد عن الشاذ القبيح الذي لا يعود إلا بالإحراج على صاحبه .

و لاختيار الاسم ضوابط كثيرة ، نتبع فيها هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم . و قد أسهب العلماء في شرحها ، و للاطلاع عليها : الأسماء المحرمة والمكروهة ، آداب تسمية الأبناء ، ضوابط الأسماء المنهيِّ عنها – الشيخ فركوس ، في ضابطِ معرفة الأسماء المكروهة أو المحرَّمة .

وفيما يلي مقالات أعجبتني عن هذا الموضوع لمن أحب التوسع : فوضى الأسماء وجناية الآباء ، اختيار الاسم الحسن للمولود .

شاركنا أسماء غريبة تعرفها في بلدك ، وحكايات أسماء تعرفها أو عايشتها

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى