الأسرة

الغضب .. ومعاملة الأبناء .. سؤال وجواب

سألني أحدهم ذات مرة قال: “أنا كثير الغضب وعصبي جدا، مما أدى إلى خوف أولادي مني، مع أني أحاول جاهدا توفير كل مستلزماتهم، فما الحل؟“.

ربما -وأنت تقرأ السؤال- تبادر لذهنك، أو جرى على لسانك الكثير من عبارات الانتقاد والتأنيب لصاحب السؤال. لكني على العكس أُعجِبت بسؤاله، لأن طرح مثله يحتاج من المرء قدرا كبيرا من الشجاعة، حتى يعترف بأنه في تعامله مشكلة، وقبل كل ذلك “حتى يقر بأن في الموضوع مشكلة”، والإقرار بالذنب -كما تعلمون- أول نافذة للتوبة، ومعرفة المشكلة أول خطوة نحو الحل.

أما جوابي للسائل، فقد كتبته بناء على تجارب واقعية أراها حولي في مختلف الأسر، ومما قرأته في الكتب، وسمعته من الخطب. وهو ليس كلاما جديدا، أو حلا مبتكرا فريدا، بل هو كلام يعرفه الجميع لكن قل من يطبقه، فما هو إلا ذكرى، وإن الذكرى تنفع المؤمنين.

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله  وبركاته،

أولا من الجيد أنك تقر وتشعر بأن عصبيتك مشكلة وتطمح لحلها فهذه بحد ذاتها خطوة نحو الحل . لأن مشكلة أكثر الآباء هو عدم انتباههم لتصرفاتهم التي تؤثر سلبا على الأبناء، وعدم إقرارهم بأنهم السبب فيها . 

كيف تتخلص من الغضب؟

وكأول خطوة حاول ان تتصرف تجاه هذا الغضب بما جاء في سيرة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال : “ليس الشديد بالصرعة ، انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ”  ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال لا تغضب . فردّد ذلك مراراً ، قال لا تغضب. وقد تعلمنا من هديه أن نتعامل مع الغضب كالآتي :

فيما يخص مشكلتك ، فهي تغيير نقطة لا تعجبك من شخصيتك وهي الغضب الشديد ، الأمر الذي يستدعي منك ضبط نفسك قدر الإمكان ، وأن لا تتسرع، وتتصرف استجابة لذاك الغضب بما لا يُحمد عقباه . وهذا يتطلب منك تدريب نفسك مرارا كلما شعرت من نفسك بادرة للغضب ، فكر دائما قبل أن تتصرف أو تصرخ تنفيسا عن غضبك ، اسأل نفسك هل يحتاج الموضوع أن تغضب لأجله أو أن  تقدم على ماأنت مقدم عليه من تصرفات ، لأنه غالبا لا يكون هناك سبب لازم أو داع للغضب سوى أنك قد تكون مضغوطا بمشاكل في العمل أو غيره ، أو متعبا بعد يوم طويل من العمل ، أو متضايقا من أمر ما ، الشيء الذي يجعلك تنفس ضيقك بأول فرصة تأتيك ، أو أي تصرف مهما كان صغيرا وسخيفا .

الاستعاذة بالله من الشيطان :  فقد قال صلى الله عليه وسلم :” إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله ، سكن غضبه”

السكوت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم فليسكت ) ، وذلك لأنك قد تتلفظ بأي شيء وقت غضبك ، من شتم وسب ، ما يؤثر على عائلتك . لذلك حاول أن تصمت  وتختلي بنفسك قليلا حتى تهدأ ثورة غضبك .

السكون : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ). وذلك لأنك قد تؤذي من حولك وأنت غاضب دون أن تشعر ، كالضرب مثلا ، أو تحطيم الأشياء أو إتلاف الأموال ونحوه . لذا فالجلوس أو الاضطجاع يصرفك عن مثل هذه الأعمال المتهورة . 

تذكر ما أعد الله المتقين من الأجر والثواب ، ومالك من المنزلة عند الله لو مسكت نفسك عند الغضب ، قال صلى الله عليه  سلم : “لا تغضب ولك الجنة” ، وقال : “من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ماشاء” . وإمساك النفس عند الغضب من صفات المتقين فقد قال تعالى : “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” ، وقال : “إذا ما غضبوا هم يغفرون

الدعاء بدعائه صلى الله عليه وسلم : “اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي ، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب ، وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضا بعد القضاء ، وأسألك برد العيش بعد الموت ، أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ، في غير ضراء مضرّ ة ولا فتنة مضلّة الله زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين”

لذا عليك التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرحم الناس ، والذي ماكان يغضب إلا لله ، وإن انتهكت محارم الله.

 كيف تتعامل مع أبنائك؟

هذا فيما يخص غضبك كمشكلة عامة سواء مع أبنائك ، أو مع أي أحد كان . أما فيما يخص تعاملك مع أبنائك :

 فاحرص أن لا ترسم لنفسك في أذهانهم شخصية مرعبة ، مخيفة ، كما يظن بعض الآباء ، أنهم إذا ما أرهبوا أولادهم وعلموهم الخوف منهم أنشؤوا رجالا  يعتمد عليهم . وترى الواحد منهم يتفاخربأن أولاده يصمتون خوفا إذا حضر ، أو صرخ ، ولا ينبسون ببنت شفة في حضوره . وهذا ليس مدعاة للفخر ، بل هي طامة كبرى ، ومشكلة كبيرة . ما يجب أن يغرسه الأب في أبنائه هو حبه واحترامه وتقديره ، لا الخوف والرهبة منه ، لأن هذا يجعلهم ينفرون من الاحتكاك به ، أو مناقشته ، أو حتى الحديث العادي بين أب وابنه ، وإذا ما واجهوا مشكلة ما ، سيكون آخر شخص يفكرون في استشارته أو طلب توجيهه لانهم يرون مصارحته مشكلة بحد ذاتها ، نظرا لما تعودوه منه من ردود أفعال عنيفة غير متفهمة . 

عليك أن تكون صديقا لأبنائك ، تعاملهم بالحسنى ، وباللطف وقت اللطف ، وبالحزم وقت الحزم لكن دون تخويف .

 كرر عليهم دائما أنك تحبهم ، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل ، إذ كان يصرح دائما بحبه للحسن والحسين ، وبأنه يحب من يحبهما ، لأن ذلك ينمي محبة أولادك لك  .

عليك أن تجعلهم يشعرون أنك صديق لهم يجدونه وقت حاجتهم ، ويكون قدوتهم . شاركهم اهتماماتهم ، وتفهم رغباتهم شجعهم على ما تراه حسنا وجيدا منها ، واصرفهم عن سيئها لكن بطريقة حكيمة ، لأنهم قد يعاندونك خاصة لمن هم في سن المراهقة . 

راقب تصرفاتهم دون تضييق حتى لا يشعروا بأنهم مقيدون ، ووجههم بما ترى فيه فلاحهم وصلاحهم . 

عليك أن لا تقلل منهم وأن تشعرهم  بثقتك بهم ، واعتمادك عليهم ، وتخاطبهم وتناقشهم  كما لو أنهم ناضجون ، ليشعروا أنك ترى فيهم النضج ، وأنك تعمل حسابا لآرائهم ، حتى لو لم تكن ستعمل بها دائما ، لكن مجرد مشاركتهم بالرأي ، يشعرهم بالفخر ، ويعزز الثقة بأنفسهم ، ويبني شخصيتهم ، وستراهم يتسابقون دائما لفعل الأحسن ليثبتوا نظرتك لهم .

وقد كان الرسول ينهج هذا النهج فعن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه– أن سعد بن مالك – رضي الله عنه – ممن استُصغِر يوم أحد، يقول -رضي الله عنه- إن الرسول – صلى الله عليه وسلم- نظر إليه، وقال: سعد بن مالك؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي. قال: فدنوت منه فقبّلت ركبته، فقال : “آجرك الله في أبيك”، وكان قد قتل يومئذٍ شهيداً. فقد عامله الرسول – صلى الله عليه وسلم- وعزّاه تعزية الكبار، وواساه في مصيبته بعد ميدان المعركة مباشرة. 

و روى مسلم عن سعد الساعدي – رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أتى بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره شيوخ، فقال للغلام: “أتأذن لي أن أعطي هؤلاء”؟ فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً”. فهو صلى الله عليه وسلم كان يعود الأطفال على تحمل المسؤولية ، ويعاملهم بنضج ، ولا يقلل من شانهم وقدرهم كما يفعل البعض منا ، فينشأ الطفل ضعيف الشخصية ، أو متمردا . 

حاول أن تهديهم في كل مناسبة تتطلب ذلك ، مثلا ، لو تصروفوا تصرفا جميلا ، أو قاموا بعمل لم تكن تتوقعه منهم. لأن ذلك يدفعهم للأفضل ، ويشع الفرح في قلوبهم ، كما يجمّل صورتك في أنفسهم . 

إذا غضبت لاي سبب كان ، وكنت في مواجهة أبنائك وأنت على تلك الصورة الغاضبة ، فتريث قليلا قبل أن تقدم على أي شيء ، وتخيل نفسك مكان ولدك ، هل ستتقبل التصرف الذي أنت مقدم عليه ، وماذا سيكون تأثيره عليك ، وكيف ستنظر لوالدك لو فعل ذلك معك . جرب أن تفعل ذلك وانظر بأي نتيجة ستخرج . 

وقد غضب معاوية – رضي الله عنه- يوما على ابنه يزيد فهجره، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، فإن غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلاً فيملوا حياتك ويتمنوا موتك.  هذا مثال على ما قد يحدث إن عودتهم الغضب والخوف منك . 

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى