مكتبتنا

فوائد من كتاب: “العدوان على العربية .. عدوان على الإسلام”

لمّا كان القرآن كلامَ الله العظيم، وكتابَه الكريم، وجب أن تكون لغته أعظم اللغات، ولسانه أشرف الألسن وأبلغها وأفضلها. ولأنها كذلك، فكل هجمة عليها هي هجمة على الإسلام دين القرآن، وكل شر يُكاد لها هو كيد على الإسلام، وكل عدوان عليها أيّا كان نوعه وشكله وهدفه، ومهما تنوعت صوره، هو عدوان على الإسلام.

وفي هذا الكتاب الجميل المختصر في كلماته، البليغ في معانيه ورسائله، ينقل لنا الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا صورًا من العدوان على لغة القرآن قديمها وحديثها، ويوضح نقاطا هامة لا يلقي لها أبناء اليوم بالا (أو أكثرهم)، ويغفلون عن دسائس تُحاك لهم بليل مظلم وهم في نومهم غافلون، فهلّا يفيقون؟!

الكلمات القادمة ليست إلا انتقاءات أحببت معناها على لسان الكاتب وأعادها قلمي بصياغته الخاصة، وهي أهم الفوائد والأفكار التي يمكن للقارئ أن يخرج بها من هذا الكتاب الجميل القيّم، ولها أخوات وبنات عم لا يتسع لهن مجال في هذه العجالة.

عن الكاتب:

عبد الرحمن رأفت الباشا ابن العربية الذي عاش معها طالبا ومدرسا ومفتشا. وابن سوريا مهد الحضارة ومهوى القلوب وظئر الإسلام. ولد في بلدة “أريحا” شمال سوريا ودرس فيها مرحلته الابتدائية، ثم في المدرسة الخسروية بحلب.

تلقى دراسته الجامعية في القاهرة؛ وهناك نال الشّهادة العالية لكلية أصول الدّين في الأزهر، وشهادة اللّيسانس أيضًا في الأدب العربي من كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول، ثم درجتي الماجستير والدّكتوراه من هذه الجامعة التي أطلق عليها فيما بعد اسم جامعة القاهرة.

اشتغل مدرسا فمفتشا، ثم كبيرا لمفتشي اللّغة العربية في سورية، ثم مديرا لدار الكتب الظّاهرية المنبثقة عن المجمع العلمي العربي في دمشق، وأستاذًا محاضرا في كلية الآداب في جامعة دمشق.. ثم انتقل إلى السّعودية للتدريس في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ وقد شغل منصب رئيس قسم البلاغة والنّقد ومنهج الأدب الإسلامي، وكان عضوا في المجلس العلمي في الجامعة منذ أن وُجِدَ، وعُهِدَ إليه بلجنة البحث والنّشر في الجامعة ذاتها.

تُوفي في يوم الجمعة 12 ذو القعدة 1406 هـ 18 يوليو 1986م في مدينة إسطنبول بتركيا، وسُجِّيَ جثمانه بمقبرة الفاتح هناك.

فوائد من الكتاب :

-مَن أَحَبَّ اللهَ وأَحَبَّ رسُولَه صلى الله عليه وسلم أَحَبَّ العربية التي نزل بها خير كتاب (القرآن)، والتي كان لها الفضل -وكفى به فضلا- أن يجمّلها ويرفع قدرها كلام الله، وسعى لحمايتها وصونها وحفظها بالإقبال على تعلمها وتعليمها لأنها أداة العلم  ومفتاح التفقه في الدين.

-إن لنا في أسلافنا أسوة في عنايتهم باللغة والتفاني في نقلها وفهمما وتعلمها وحفظها، لأن اللغة للأمم حياة، فإن ماتت لم تلبث الأمة أن تفنى وينهار كل عز بَنَتهُ ومجد شيدته.

-اللغة رباط يجمع الشعوب بعضها لبعض ، ويحفظ تاريخهم، ويقرب مشاعرهم وتقاليدهم، ويعبر عن أفكارهم ويميزها عن غيرها من الأمم والشعوب.

-اللغة أحد أهم عوامل ودوافع الوحدة القومية والوطنية، ومن أقوى دعائمها.

-اللغة تحيا بجهود أبنائها في تعلمها وتعليمها، وتندثر بإعراضهم عنها وافتتناهم بكل غريب أجنبي. وعندما تزول اللغة يتغير الكثير والكثير؛ فلا الشعب يبقى نفسه، ولا الفكر يحفظ عهده، ولا التاريخ يُكمِل سرده، ولا الوطن يلقى عزه ، كل ذلك يتغير وينصهر تحت لواء آخر لا يعنيه و لا يمثله، ويلبس ثوبا غير ثوبه فيكون عليه إما قصيرا إن غطى الصدر كشف الظهر، وإن ستر اليدين لم يصل القدمين، أو فضفاضا تُجر ذيوله جرا، وهو في الحالتين قبيح مبتذل.

-لغتنا العربية لم تستمد قيمتها من ضمّها العربي للعربي، والشامي للنجدي، بل لأنها جمعت المسلمين على دين واحد ولسان واحد وقلب واحد، حتى وهم من أعراق ولغات شتى. وأَعظِم بِرِباط الدّين من رباط لا تفُلّه الأيام والظُّلّام، وتأنس في ظله الأقوام.

-أعداءُ الدّين صوّبُوا سِهامهم -ولا زالوا يفعلون- إلى قلب اللغة يريدون موتها، لأنها إن ماتت سهل عليهم القضاء على الدين، فكيف بربك يُقرأ القرآن من غير لسانه، وكيف تُفتح أبواب فهمه من غير مفتاحه الذي به نزل وبه إلى القلوب دخل.     

-لقد رأى الأعداء أن استعمار السيف لا يورث إلا الموت وهو وإن طال زائل، فعمدوا إلى العقل يستعمرونه، وإلى الفكر يغيرونه، وإلى الخُلُق يشوهونه، وإلى القلب يُمِيلون بوصلته تجاههم فيصبح شماله جنوبا، وشرقه غربا، وعندها يجلسون في ركن بعيد يتابعون مسرحيةً  هم من كوّنوا ممثليها  وخرّجوهم من مدارسهم الآسنة ليصبحوا لهم جنودا وهم غافلون، ويحطموا بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين.

-حين تزول العربية تتقطّع حبال الوصل بين حاضر الأمة وماضيها، فلا يُعرف عندها لا محمد وأصحابُه، ولا الحديث وأربابه، ولا الفقه وأبوابه، ولا التراث وأسبابه، وتتفكك الأواصر شيئا فشيئا حتى لا يبقى منها إلا ذكرى لا تلبث أن تتلاشى هي الأخرى في لجة النسيان.

-لقد كان هَمُّ الاستعمار على مر التاريخ، وشغله الأول القضاء على اللغة، كما حدث في الجزائر ومصر وغيرهما، ولولا جهود المصلحين، وتفاني المخلصين، لصارت أثَرًا بعد عين.

-قالو عقيم لا تلد، وقد وسعت علومهم وجاوزت فهومهم ..   عجوز لا تقوى، وقد سبقت شبابهم .. بليدة لا تتطور، وقد وصلت الجوزاء قبل أن يعرفوها .. صعبة لا ترقى إليها الأفهام ولا تدركها الأوهام، وهي أسهل من خرابيطهم، وأخف على اللسان من  تعقيداتهم، وأسرع إلى عقل وقلب متعلمها من عجمتهم الثقيلة على القلوب.

-كيف نترك الفصحى خلفنا لنتعلم بلسان مكسور، ونكتب بقلم مبتور .. منذ متى صارت العامية لغة تصلح للأدب وتأليف الكتب؟ إن مبادرة مبايعة العامية خليفة للفصحى هي أسخف المبادرات على الإطلاق، ومن سعى لها أو آمن بها، أو مد يده لها مؤيدا ومساندا ما هو إلا عدو وإن لبس ثوب الصديق، وما هو إلا ذنب من أذناب الغرب.

-الأخذ بالعامية لا يزيدنا إلا تفرقا وشتاتا، فلكل شعب عاميته التي لا يكاد يفهمها سواه، فأيّها بالله نأخذ؟ كذب والله المبطلون وخابوا.

-قالوا العامية خير من الفصحى لتنشيط العلم وتسهليه لكل ناهل من معينه، فأيّ علم هذا الذي يقوم على جثث العلوم ومواتها، ويُعجّل دفنها؟ أي علم هذا الذي يقطع الماضي عن الحاضر وما الأول إلا أب الثاني؟! فإن كانوا ولا بد فاعلين، فليرجعوا لنقطة البداية، وليتعلموا من جديد أبجدية العلم وألف بائه، ولينتظروا سنونا وقرونا حتى يصلوا الركب أو يتراءى لهم من بعيد بعيد.

-العربية هي الفاتنة التي سحرت الألباب ولازالت تفعل، والزاهدة العابدة التي وسعت الدين وتلت القرآن على العالمين فعرفوه، ومن ثغرها أخذوه. والشاعرة التي تلقي بيتا فتُعبِّر فيه عما يحتاج التعبير عنه إلى سطور وصفحات. والغانية التي تدخل القلب فتعرف ما فيه وتترجمه بأعذب لغة وأجمل معنى. والعالمة التي تذلل صعب العلوم فتلقيه في كلام جزل، وأسلوب سهل. وهي الرسام الذي يرى الشيء فيعبر عنه برسمات عدة، كل واحدة وإن اتفقت مع الأخريات في المعنى والأصل ، فإنها تزيد عنهم بفكرة أو تفصيل يميزها .. هي كل هؤلاء وأكثر، فأي قصور ينسبونه لها وهي الكاملة –جل الكامل-؟ وأي فجور يقذفونها به وهي التقيّة الزكية؟!!

-لم يستسلم أعداء الدين والعربية بعد فشل المخطط الأول في تنصيب العامية على عرش الفصحى وإعدام الأخيرة بسيف الأولى، إذ عادوا مجددا بخطّةٍ جديدة لا تختلف عن سابقتها في الهدف وإن اختلفت في المضمون. وإلا فما الداعي لمحاولة استبدال الحروف التي يجد كل عربي راحته في خطّها وهو لا يحمل لا هم الضمة ولا غم المفعول والحال، بحروف تكشف عجزه وتظهر ضعفه، وهي فوق كل هذا قاصرة عن التعبير فاشلة في الكتابة. ولا أعجب والله إلا من عربي يدرك هذا ويتجاهله، ويحاول عبثا إيجاد الحلول له، ومثله كمن افتعل الداء ثم عكف في المختبر يبحث له عند دواء. والله المستعان.

-يقال إن كثرة الدق تفك اللحام، والقطرة الصغيرة حين تواصل النزول قادرة على ثقب الحجر، ولهذا استعاضوا عن الضربات القاضية الكبيرة بضربات أخرى صغيرة علها تحقق ما عجزت الأولى عن فعله، فصار هناك نحو بلا إعراب، وأدب قومي لا يعرف أين يضع المتنبي وابن تمام، ولمن ينسب البحتري، وآخر شعبي يقدّم “عنتر والزير” عن الفصيح الغزير، ويفتح الباب رويدا رويدا للعامية لتدخل من مداخله. ولا ننسى الشعر المنثور أو لنقل “المكسور” بتعبير أدق، وقد برأ منه الشعر، وصد عنه النثر، حين ادّعى له نسبا غيره.

-العربية ليست لغة شعب، بل لغة أمة، هي لغة العرب والمسلمين على اختلاف الأعراق، وهي نتاج أفكارهم وجهودهم وإسهاماتهم الي جعلت منها اليوم قوة مكينة، حصنا يصعب اختراقه وهذا شأنه.

-بالله عليك، مَن مِنَ اللغات أغدق وأسرف في تسمية الحُمَّى على مراحلها وأنواعها من “حمى اليوم” إلا “البرسام” إلا العربية؟ من يفرق بين بلل الزيت والماء؟  ومن يعرف الغضب على سوراته، والجود على درجاته، والجبن ودركاته؟ من غير العربية تفنن في النظم، وتميز في التعبير ؟ وسعت العربية كل شيء ، ثم يأتيك آت يقول إنها لغة الأدب والشعر، والوصف والنثر، فلا مكان لها في عصر الفضاء وهي ابنة الصحراء، وأم الشعراء ولهذا وغيره نقول : لا عِلم أيُّها القوم لا تَسَعُهُ العربية، وإن لم تفعل فلن تَسَعَهُ لغة على وجه الأرض ولو شحذ لذلك العزائم والهمم.

-من ميزات العربية التي تفردت بها أو كادت، غزارة المفردات ووفرة الدلالات، ودقة التعبير، وجمال التصوير، والاشتقاق، والصيغ الثابتة، وغيرها الكثير.

-عندما استعصى على الكثير من الغرب اليوم قراءة فولتير وشكسبيرـ تجد أصغرنا يقرأ لعنترة والزير، وطرفة وزهير، وبشار وجرير، وكل من خطب وكتب قديما وحديثا. [وإن كان فينا اليوم الكثير ممن “غرّبوا” لسانهم فاستعجم، وصار صعبا عليه أن يقرأ لاصغر كاتب فضلا عن الكبار. والله المستعان].

-من حق أبنائنا علينا أن نحمل لهم الرِّسالة كاملةً كما وصلتنا، ونُبَلِّغهُم الأمانة كما أتتنا، ونحارب من أجلهم دعاة الهدم وأعداء الأمس واليوم، ونعلمهم أن الحياة لا تنبسط إلا لأصحاب الجَدِّ وأَيْمَانِ الكَدّ، وأن الصَّعبَ يَسِيرٌ إِن أَحبَبنَاه، سَهْل لو ذَلَّلنَاه. وأنَّ كلَّ العقبات تذوب عند حمم عزائمهم، ولهيب إرادتهم. وأن اللغة لا تتنفس إلا من ألسنهم الطرية بكلامها.         

المراجع:

  • كتاب العدوان على العربية عدوان على الإسلام، عبد الرحمن رأفت الباشا
  • نبذة عن الكاتب بتصرف من: موقع مداد

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى