إسلامياتمنوعات

فما ظنكم برب العالمين ، وقفة مع آية -1-

(فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ، أحمده سبحانه وأثني عليه الخير كله , وأشهد أن لا إله إلا الله هو البر الرؤوف الرحيم لا إله إلا هو الرحمن الرحيم , وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، خيرته من خلقه ، صفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد:

فنحمد الله أهل الحمد والثناء ، لا نحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه ، فهو جل وعلا أحق من حُمِدَ ، كما أنه سبحانه وبحمده أحق من ذُكِرَ. نحمده على نعمه الكثيرة التي من أجلِّها وأعظمها هذا الكتاب المبين الذي جعله الله تعالى من أعظم آيات الأنبياء، هذا القرآن الذي فيه خبر من قبلنا ، وفيه فصل ما بيننا ، وفيه حكم ما اختلف فيه المختلفون، فيه الهدى والنور، هو الضياء الذي تشرق به القلوب، هو النور الذي تُسفر به الدنيا، جعله الله تعالى حاويًا لكثيرٍ من الخير الذي فيه صلاح الدنيا واستقامة الآخرة .

أيها الأحباب عدنا معكم في عدد جديد من برنامجنا وقفة مع آية اليوم اخترنا لكم آية تقشعر منها الابدان هي ” فما ظنكم برب العالمين ” …..قبل ما نشرح نساءل مع بعض :

ما ظنكم برب العالمين ؟ سؤالٌ كبير، يا له من سؤالٍ يرجف منه الفؤاد ويجل منه القلب .

فما ظنكم برب العالمين ؟ سؤالٌ يستوقف كل سامع ليُشْهِدَهُ تقصيره في حق الرب العظيم الكريم الذي قال جل وعلا عن حقه وحال عباده مع هذا الحق : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) .

(فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) ما ظنك يا أخي بربك رب العالمين الذي له الملك كله، وله الحمد كله، الذي له خلق السماوات والأرض ؟ فهو الخالق لا خالق سواه، هو المالك لا مالك سواه، هو المدبر جل وعلا لهذا الكون ، فما من حركة ولا سكون إلا بأمره جل وعلا .

السَّمك في البحار ، والأشجار في البراري كلها تصدر عن أمره ، ولا يخفى عليه من شأنها شيء سبحانه وبحمده، ما ظنك بهذا الرب حتى عصيت أمره وخالفت شرعه؟ ما ظنك بهذا الرب حتى أعرضت عنه وعبدت سواه وصرفت العبادة لغيره ؟

(فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) يا له من سؤال !! ما ظنكم برب العالمين؟ سؤال ينبه العبد إلى عظيم قدر ربه , وأن ربه جل وعلا قد فاق كل غايةٍ في القدر والعلو والمكانة، سبحانه وبحمده هو العلي العظيم، له المثل الأعلى في السماوات والأرض جل وعلا: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ).

فسبحان مـن لا يقـدر الـخلق قـدره *** ومن هو فوق العرش فردٌ مُوَحَّـدُ

مـليكٌ على عرش السماءِ مهيمنٌ *** لعزته تعـنو الوجـوهُ وتسجـدُ

وقد قال جل وعلا : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) .

(فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ). سؤال يبعث في القلب تعظيم الرب، كما أنه يبعث في القلب حسن الظن بالله الذي له الأمر كله جل وعلا، الذي لا يحسن العباد ولا يحصي العباد ثناءً عليه سبحانه وبحمده، هذا السؤال يبعث في القلب حسن الظن بالله جل وعلا، يبعث في القلب رجاء كل خيرٍ من قِبَلهِ .

قال يحيى بن معاذ رحمه الله : ” أوثق الرجاء رجاء العبد بربه , وأحسن الظنون حسن الظن بالله تعالى ” . ولذلك يستحضر المؤمن هذه المعاني في أحوال الضعف، كما أنه ينبغي أن تكون منه على بال في أحوال القوة لكنه ما أحوجه إلى استحضار ذلك في أحوال الضعف .

يقول أبو العتاهية في آخر شعره الذي قاله قبل موته :

إلهي لا تعذبني فإني *** مقرٌّ بالذي قد كان مني

فمالي حيلةٌ إلا رجائي *** لعفوك إن عفوت وحسن ظني

إن العبد يستصحب حسن الظن بالله تعالى إذا عرف قدر الرب.

(فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ). سؤالٌ أجب عليه بينك وبين نفسك، ما ظنك بربك ؟ ما هو فاعلٌ بك ؟ ما ظنك بربك وقد تركت حقه؟ ما ظنك بربك وقد أقبلت عليه ؟ ما ظنك بربك الذي له الأولى والآخرة وله الحمد في السماوات والأرض وهو الحكيم الخبير ؟ ما ظنك بالله تعالى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبد بي “. تنبه واستمع إلى خطاب الله جل وعلا وهو يخبر عباده بأمر عظيم: ” أنا عند ظن عبدي بي , وأنا معه إذا ذكرني: إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ” رب العالمين يقول هذا لنا ويخاطبنا به كما نقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه . وإذا تقرب إلي عبدي شبرًا تقربت إليه ذراعًا , وإذا تقرب ذراعًا تقربت إليه باعًا , وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة “. الله أكبر! ربُّ السماوات والأرض،بقدر ما تقبل عليه بقدر ما يكون لك، فبقدر ما معك من الظن بربك وحسن الأمل في ما عنده جل وعلا بقدر ما يكون الله جل وعلا لك .

سَل نفسك يا أخي، سل نفسك: ما ظنك برب العالمين ؟ وابحث عن جواب لهذا السؤال الكبير ، فإن الله تعالى عند ظن عبده به، من أحسن ظنه بالله تعالى فليبشر، فإن الله تعالى لا يخيب ظن من أحسن الظن به , ولا يخيب من رجاه وأمَّله .

الفسيفساء

كاتبة متخصصة في العلوم الإسلامية والتغذية الصحية ومهمتة بعلوم الحاسب والبرمجة وتعلم اللغات الحية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى