إسلامياتمنوعات
أخر الأخبار

المولد النبوي الشريف بين البدعة والعرف

تقرأ في هذه السلسلة :

حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

قال ابن خياط :

كلُّ القُلوبِ إلىَ الحبيـبِ تَمِيــــلُ         وَمعَيِ بِهــــَذَا شـَـاهدٌ وَدَلِيِــــلُ

أَمَّا الــدَّلِيِلُ, إذَا ذَكرتَ محـــمدا ً         فَتَرَى دُمُوعَ العَارِفِينَ تســــيلُ

هَذَا مَقَالِيِ فِيكَ يَا شَرَفَ الْوَرَى          وَمَدحِي فِيكَ يَا رسُولَ اللهِ قَلِيلُ

هَذَا رَسُــولُ اللهِ هذا المُصْطَفَىَ          هَذَا لِـــرَبِ العـــَالمينَ رَسُــولُ

يحتفل الكثير من المسلمين بذكرى المولد النبوي الشريف ، ويستقبلونه بمختلف المظاهر الاحتفال كالمدائح ، وتوزيع الحلوى ، وتزيين الأحياء ، والمفرقعات و”النوالات ” وغيرها من العادات التي تمسكت بها الشعوب ،و صنفتها في باب التعبير عن حب النبي صلى الله عليه وسلم ، والاحتفاء بقدومه . (انظر مقال “عادات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف “) . وفيما يلي سنذكر حكم الاحتفال بالمولد :

  • قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عن الاحتفال بالمولدالنبوي في “اقتضاء الصراط المستقيم”(2/619) : (لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضا، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله r وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنّته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار،والذين اتبعوهم بإحسان)
  • قال الإمام تاج الدين عمر بن سالم اللخمي المشهور بالفاكهاني– رحمه الله – في “المورد في عمل المولد”(ص20-21)(لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة).
  • قال العلامة ابن الحاج – رحمه الله – في “المدخل” (2/312) نقلاً من “القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل” للعلامة الأنصاري رحمه الله (ص57)(فإن خلا – أي عمل المولد- منه – أي من السماع – وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الاخوان،
    وسلم من كل ما تقدم ذكره – أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ إن ذلك زيادةفي الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله ، وتعظيماً له ولسنته ،ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم… الخ).
  • قال الإمام السخاوي – رحمه الله – نقلاً من ‏”المورد الروي في المولد النبوي” لملا علي قارى (ص12)(أصل عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها بالمقاصد الحسنة).
  • قال ابن العثيمين :”( نرى أنه لا يتم إيمان عبد حتى يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ويعظمه بما ينبغي أن يعظمه فيه ، وبما هو لائق في حقه صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أقول مولده بل بعثته لأنه لم يكن رسولاً إلا حين بعث كما قال أهل العلم نُبىءَ بإقرأ وأُرسل بالمدثر ، لا ريب أن بعثته عليه الصلاة والسلام خير للإنسانية عامة ، كما قال تعالى : ( قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورَسُولِهِ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ( الأعراف : 158 ) ، وإذا كان كذلك فإن من تعظيمه وتوقيره والتأدب معه واتخاذه إماماً ومتبوعاً ألا نتجاوز ما شرعه لنا من العبادات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى ولم يدع لأمته خيراً إلا دلهم عليه وأمرهم به ولا شراً إلا بينه وحذرهم منه وعلى هذا فليس من حقنا ونحن نؤمن به إماماً متبوعاً أن نتقدم بين يديه بالاحتفال بمولده أو بمبعثه ، والاحتفال يعني الفرح والسرور وإظهار التعظيم وكل هذا من العبادات المقربة إلى الله ، فلا يجوز أن نشرع من العبادات إلا ما شرعه الله ورسوله وعليه فالاحتفال به يعتبر من البدعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” كل بدعة ضلالة ” قال هذه الكلمة العامة ، وهو صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بما يقول ، وأفصح الناس بما ينطق ، وأنصح الناس فيما يرشد إليه ، وهذا الأمر لا شك فيه ، لم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم من البدع شيئاً لا يكون ضلالة ، ومعلوم أن الضلالة خلاف الهدى ، ولهذا روى النسائي آخر الحديث : ” وكل ضلالة في النار ” ولو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم من الأمور المحبوبة إلى الله ورسوله لكانت مشروعة ، ولو كانت مشروعة لكانت محفوظة ، لأن الله تعالى تكفل بحفظ شريعته ، ولو كانت محفوظة ما تركها الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون لهم بإحسان وتابعوهم ، فلما لم يفعلوا شيئاً من ذل علم أنه ليس من دين الله ، والذي أنصح به إخواننا المسلمين عامة أن يتجنبوا مثل هذه الأمور التي لم يتبن لهم مشروعيتها لا في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا في عمل الصحابة رضي الله عنهم ، وأن يعتنوا بما هو بيّن ظاهر من الشريعة ، من الفرائض والسنن المعلومة ، وفيها كفاية وصلاح للفرد وصلاح للمجتمع .
    وإذا تأملت أحوال هؤلاء المولعين بمثل هذه البدع وجدت أن عندهم فتوراً عن كثير من السنن بل في كثير من الواجبات والمفروضات ، هذا بقطع النظر عما بهذه الاحتفالات من الغلو بالنبي صلى الله عليه وسلم المودي إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه يحارب الناس عليه ، ويستبيح دماءهم وأموالهم وذراريهم ، فإننا نسمع أنه يلقى في هذه الاحتفالات من القصائد ما يخرج عن الملة قطعاً كما يرددون قول البوصيري :
    يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم
    إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي صفحاً وإلا فقل يا زلة القدم
    فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
    مثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله عز وجل ، وأنا أعجب لمن يتكلم بهذا الكلام إن كان يعقل معناه كيف يسوغ لنفسه أن يقول مخاطباً النبي عليه الصلاة والسلام : ( فإن من جودك الدنيا وضرتها ) ومن للتبعيض والدنيا هي الدنيا وضرتها هي الآخرة ، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام ، وليس كل جوده ، فما الذي بقي لله عز وجل ، ما بقي لله عز وجل ، ما بقي له شيء من الممكن لا في الدنيا ولا في الآخرة .
    وكذلك قوله : ( ومن علومك علم اللوح والقلم ) ومن : هذه للتبعيض ولا أدري ماذا يبقى لله تعالى من العلم إذا خاطبنا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الخطاب .
    ورويدك يا أخي المسلم .. إن كنت تتقي الله عز وجل فأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلته التي أنزله الله .. أنه عبد الله ورسوله فقل هو عبدالله ورسوله ، واعتقد فيه ما أمره ربه أن يبلغه إلى الناس عامة : ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) ( الأنعام : 50 ) ، وما أمره الله به في قوله : ( قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً ) ( الجن : 21 ) ، وزيادة على ذلك : ( قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً ) ( الجن : 22 ) ، حتى النبي عليه الصلاة والسلام لو أراد الله به شيئاً لا أحد يجيره من الله سبحانه وتعالى .
    فالحاصل أن هذه الأعياد أو الاحتفالات بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام لا تقتصر على مجرد كونها بدعة محدثة في الدين بل هي يضاف إليها شئ من المنكرات مما يؤدي إلى الشرك .
    وكذلك مما سمعناه أنه يحصل فيها اختلاط بين الرجال والنساء ، ويحصل فيها تصفيق ودف وغير ذلك من المنكرات التي لا يمتري في إنكارها مؤمن ، ونحن في غِنَى بما شرعه الله لنا ورسوله ففيه صلاح القلوب والبلاد والعباد )
  • قال ابن باز :”المولد لم يرد في الشرع ما يدل على الاحتفال به، لا مولد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، فالذي نعلم من الشرع المطهر وقرره المحققون من أهل العلم: أن الاحتفال بالموالد بدعة، لا شك في ذلك؛ لأن الرسول ﷺ وهو أنصح الناس وأعلمهم بشرع الله، وهو المبلغ عن الله لم يحتفل بالمولد مولده ﷺ، ولا أصحابه، لا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم، فلو كان حقاً وخيراً وسنة لبادروا إليه ولما تركه النبي ﷺ، ولعلمه أمته وفعله بنفسه، ولفعله أصحابه خلفاؤه ، فلما تركوا ذلك علمنا يقيناً أنه ليس من الشرع، وهكذا القرون المفضلة لم تفعل ذلك، فاتضح بذلك أنه بدعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وقال عليه الصلاة والسلام: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد في أحاديث أخرى تدل على ذلك، وبهذا يعلم أن هذه الاحتفالات بالمولد النبوي في ربيع الأول أو في غيره، وهكذا الاحتفالات بالموالد الأخرى كـ البدوي والحسين وغير ذلك كلها من البدع المنكرة التي يجب على أهل الإسلام تركها.
    وقد عوضهم الله بعيدين عظيمين: عيد الفطر وعيد الأضحى، ففيهما الكفاية عن إحداث أعياد واحتفالات منكرة مبتدعة. وليس حب النبي ﷺ يكون بالموالد وإقامتها، وإنما حبه ﷺ يقتضي اتباعه، والتمسك بشريعته، والذب عنها، والدعوة إليها، والاستقامة عليها، هذا هو الحب قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم [آل عمران:31] فحب الله ورسوله ليس بالموالد ولا بالبدع، ولكن حب الله ورسوله يكون بطاعة الله ورسوله، وبالاستقامة على شريعة الله، بالجهاد في سبيل الله، بالدعوة إلى سنة الرسول ﷺ وتعظيمها والذب عنها والإنكار على من خالفها، هكذا يكون حب الرسول ﷺ، ويكون بالتأسي به في أقواله وأعماله، والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، والدعوة إلى ذلك”.
  • للاستزادة : حكم الاحتفال – الدرر السنية ، حكم الاحتفال بالمولد – الشيخ فركوس ، حكم الاحتفال بالمولد – الإسلام سؤال وجواب ، مناظرة للشيخ الألباني حول الاحتفال بالمولد

بواسطة
manzili.life

الفسيفساء

كاتبة متخصصة في العلوم الإسلامية والتغذية الصحية ومهمتة بعلوم الحاسب والبرمجة وتعلم اللغات الحية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى