عالم الطفل
أخر الأخبار

التلعثم أو التأتأة عند الأطفال

في المرحلة الابتدائية ، كان يدرس في صفنا ولد يعاني من مشكلة التأتأة أو التلعثم في الكلام . فكان إذا أراد قول شيء يتوقف لسانه على حرف معين ، أو يعلق فلا يستطيع استكمال كلامه ، أو يعيد الحرف مرارا قبل الانتقال إلى الحرف التالي كأن يقول مثلا : ” .. أوووووووو مممممممسااااااعدة …” ، ما جعله محط سخرية من حوله من الزملاء . وكنت ألاحظ كما يلاحظ الآخرون ميله إلى الصمت ، وعدم الكلام إلا إيماءا إن سئل ، أو كلمات قليلة جدا قلما تخرج سليمة هي الأخرى . وأتذكر أيضا عندما يطلب منه الأستاذ الإجابة عن سؤال ما كيف يخجل من البدء في الكلام خوفا من التعليقات التي لا مفر منها . لكنه مع الوقت وفي سنواتنا الأخيرة في المرحلة الابتدائية صار أكثر استرسالا و طلاقة .

إن مشكلة التلعثم في الكلام شائعة جدا عند الأطفال منذ الصغر أي في السنوات الأولى التي يتعلم فيها الكلام ، وحتى في سن أكبر قد تصل إلى المراهقة إن لم يسع الوالدان لعلاجها . وتصبح المشكلة جادة عندما يصبح الطفل في سن الخامسة فما فوق وتكون المشكلة ملازمة له .

فماهو التلعثم ؟ ما هي أسبابه ؟ وكيف نعالجه ؟

ما هو التلعثم ؟


التلعثم هو التحدث بتقطع غير إرادي أو طوعي ، أو توقف النطق على حرف أو كلمة أو تكرارهما مرارا ، أو إطالة في المخارج الصوتية ، وقد يتخلل ذلك فترات سكوت لبضع ثوان . وقد يطلق عليه أيضا اسم التأتأة أو الفأفأة واللتان تعنيان عدم اتصال الكلام واضطراب الإيقاع الصوتي .

وإجمالا يكون التلعثم كالآتي :

  • صعوبة في بدء الكلام
  • إطالة الأصوات والكلمات
  • تقطع في الكلام
  • تكرار الأحرف أو الكلمات
  • الصمت بين كلمة واخرى أو وسط الكلمة أو بين الجمل

لا يكون التلعثم أحيانا مستمرا في كل حالات الكلام ، فقد يتحدث الطفل مع من يعرف بطلاقة ، في حين يتلعثم مع الآخرين ، وقد نلاحظ هذا في المدرسة عندما يتردد في الإجابة أو لا يعرفها ، ومع أشخاص يخاف الحديث معهم ، أو يخجل منهم ، وذلك نتيجة لتشنج العضلات المتحكمة في النطق .

أشكال التلعثم


للتلعثم أنواع وأشكال عدة ، ويتم تصنيفها حسب السن ومدة المشكلة ، واستمرارها أو توقفها وأسبابها . وهي :

  • التلعثم التطوري : وهو الأكثر شيوعا عند الأطفال . و يكون ذلك بين سن الثانية والرابعة، اي في الفترة التي يتعلم فيها الطفل الكلام ، فمواجهته لبعض مشاكل النطق خلال هذه المرحلة أمر معهود ومتوقع . وهذا النوع لا يدوم سوى بضعة أشهر ، فهو مؤقت .
  • التلعثم المعتدل : ويكون مابين سن السادسة إلى الثامنة ، ويدوم سنتين إلى ثلاث سنين .
  • التلعثم الدائم : يبدأ هذا النوع بين سن الثالثة و الثامنة ، ويستمر إن لم يُؤخذ بجدية ويعالج بأساليب فعالة .
  • التلعثم العصبي : وهو الذي يعقب الإصابة في الدماغ أو سكتة دماغية . وذلك لحدوث مشاكل في الأعصاب والعضلات المشاركة في التحكم في الكلام .
  • التلعثم النفسي : يحدث هذا نتيجة للصدمات العاطفية أو مشاكل التفكير ، وهو ليس شائعا وقليل الحدوث .

إن التلعثم الذي يظهر عند الطفل أو يستمر معه بعد سن الخامسة هو الأكثر خطورة ، ويمكن اعتباره مشكلة تستلزم البحث عن علاج ابتداءا من هذه السن . وتظهر الدراسات أن عدد المتلعثمين من الذكور يعادل أضعاف مثيله من البنات .

مضاعفات التلعثم


لا يقتصر التلعثم على كونه مشكلة كلام أو صعوبة حديث فقط ، بل يتعداها ليخلق مشاكل أخرى تؤثر سلبا على علاقات الطفل ، وتعاملاته ، و سير حياته السليم . و أهم هذه المضاعفات :

  • الخوف أو الخجل من الكلام ، والشعور بالقلق عند الحديث ، والتوجس منه .
  • عدم القدرة على بدء أي حديث أو المشاركة فيه بفعالية رغم توفر الكم المعرفي الكافي ليكون نجم الحديث .
  • مشاكل في التواصل مع الآخرين
  • عدم المشاركة أو التفاعل في اي عمل جماعي ، ما يؤثر على النجاح الاجتماعي والمدرسي والعملي
  • التعرض للسخرية من الآخرين ، وكذا التنمر والمضايقة
  • انعدام الثقة بالنفس ، و ضعف الشخصية

أسباب التلعثم


من الصعب تحديد السبب الحقيقي الأكيد للتلعثم ، فقد يدخل فيه الكثير من العوامل والمسببات . وهو أيضا أمر شائع في كثير من العائلات ، والذي يتناقلونه أبا عن جد . ومن أهم الأسباب :

  • العوامل الوراثية : فكثير من الأطفال الذين يعانون من هذه المشكلة تجد في عائلتهم تاريخا من التلعثم .
  • الأسباب العضوية : هناك عدة نظريات تبرر التلعثم وتعزوه إلى المشاكل العضوية . فهناك نظرية “التداخل السمعي ” والتي تفسر على أنها خلل في الإدراك السمعي تتأخر بسببه وصول المعلومات المرتدة إلى الفرد أو وصولها خاطئة . وهناك من يربط التلعثم بالمشاكل العصبية وهي عدم تطوير الهيمنة الدماغية ، أي عدم تطوير التأثير اللازم للكلام الطلق المنساب . كما يؤثر العامل النفسي على عمل عضوية المتحكمة في الكلام . غير أن النظرية الأكثر شيوعا ،هي ما يعرف باضطراب التوقيت ، اي وجود تشويش في توقيت حركة العضلات المتدخلة في الكلام ، ويدخل في ذلك الشفاه والفك .
  • ضغط الوالدين : فالآباء أحيانا يخضعون أولادهم لضغوطات كبيرة عند تعليمهم الكلام ، جهلا منهم لكيفية نمو الأطفال وتطور قدراتهم الكلامية . وينسون وجود تفاوت في القدرة على الحديث بطلاقة ، بين مختلف الفئات العمرية . فيجبران الطفل على محاولة التكلم بشكل جيد ، ويضغطون عليه بما هو فوق طاقته وقدرته ، وهذا الضغط المطبق يولد توترا كبيرا عند الطفل ، ويخلق مشكلة التلعثم . كما أن وصفهم بالتلعثم يجعلهم يؤمنون بذلك ، ويتقبلون كونهم كذلك ، فتصبح المشكلة أكثر تطورا وتكررا .
  • الحماية الزائدة و الانعزال : يعمد بعض الآباء إلى حماية أطفالهم بشكل مبالغ فيه ، وتلبية كل طلباتهم في السنوات الأولى ، وتحقيق أي مطالب يحسون ضروريتها حتى لو لم يعبر عنها الطفل . وهذا يجعله غير قادر على تنمية الكلام لديه ، ولا التعبير بشكل واضح وجيد عن نفسه وما يريده ، ويحس بفقدان الثقة ، وعدم الكفاءة على التحدث ، فتنشأ مشكلة التلعثم . ويحدث نفس الشيء إذا صاحب هذا انعزال الطفل عن الناس وعدم اختلاطه بالآخرين ، سواء في عمره أو في غيره . وقد رأيت ذلك عيانا في ابنة إحدى الصديقات ، والتي كانت الابنة الوحيدة لأبويها ، ولبعدهم عن أقاربهم لم تكن تختلط مع اي أحد ، ولم تتطور لديها قدرات الكلام ، حتى صارت في سن السادسة وهي لا تعرف حتى كيفية التعبير عن ما تريد ه وتشعر به ، ولا تستطيع التحدث بطلاقة ، بل تتحدث كطفل في عمر الثالثة أو أسوأ .
  • التوتر : وتخلقه النزاعات الأسرية المستمرة والتي تجعل الطفل متوترا جدا وقلقا ، وهذا القلق يولد التلعثم . وقد ينشأ أيضا من الخوف من انتقادات الآخرين والرغبة في الإسراع في الكلام ، وكذلك من التعب والإجهاد الذي يولده الإكراه على التغيير .
  • الصراع النفسي : فقد يحدث التلعثم نتيجة وجود صراع نفسي عند الطفل ، والذي قد ينتج بعد المرور بمواقف مؤلمة ، كمشاهدة وفاة ، أو عنف ، أو مرض خطير .

طرق الوقاية


  • عدم إجبار الأطفال على تعلم الكلام حتى تلمسوا فيهم تقبلا له . وعندها فقط ، يجب تشجيعهم ، ومساعدتهم في تقوية عضلات النطق عن طريق نفخ البلالين و أيضا استخدام الكتب المصورة ، وذلك بذكر الاسم في حين يشير الطفل إلى الصورة الصحيحة . ويجب ايضا عدم القلق عند ضجر الطفل أو عدم تجاوبه بل تركه حتى يقبل بنفسه على التعلم .
  • توفير الجو الأسري الهادئ المنسجم الخالي من النزاعات والفوضى ، حتى لا يشعر الطفل بالتوتر والخوف ويحس الأمن .
  • دعم الطفل وتشجيعه وتنمية الكفاءة لديه . وذلك بمعرفة مسببات التوتر عنده ومحاولة علاجها ، وإذا كان الطفل يحس بعدم كفاءته في التواصل مع الآخرين فيجب تنمية الثقة والإحساس بالكفاءة عنده ، ومراقبة سلوكاته لمعرفة مواضع الخلل وكيفية سدها وإصلاحها . وإذا بدأ الطفل في التلعثم فيجب مساعدته على تقوية ثقته أكثر ودعمه حتى يتخلص من مشكلته .

طرق العلاج


  • تشجيع الأطفال على الحديث ببطء وتهجئة كل مقطع برفق حتى يتعود ، وبدء الحديث ببطء لأن السرعة في الكلام تؤدي إلى تلعثمهم .
  • التنفس باستخدام عضلات التنفس البطنية وليس الصدرية كتمرين للطفل .
  • الشهيق والزفير قبل كل جملة لإبقاء الأوتار الصوتية مفتوحة .
  • طريقة الحديث المتقطع والتي تعالج التوتر أثناء الكلام .
  • مساعدة الطفل على خفض القلق لديه ، وذلك بتعريضه لمواقف تثير القلق ، ليتعلم السيطرة على نفسه . كما يطلب منه تخيل طريقة كلامه في مواقف معينة ، وإذا أصبح بإمكانه تخيل نفسه يتحدث بدون قلق ، وجب تجريب ذلك في مواقف حقيقة مع الأقارب والأصدقاء. وكذا تعويده على الاسترخاء وتمارينه.
  • تخفيف الضغط عن الطفل
  • مكافاة الطفل عند تكلمه بطلاقة حتى يتشجع أكثر ، ويحس بالثقة بقدرته على الشفاء.
  • في حال كانت الحالة مستعصية يمكن اللجوء إلى إخصائي نفسي أو أرطفوني لمساعدة الطفل .

هذا وأذكر أن أخي الأصغر واجه هذه المشكلة حتى المرحلة الابتدائية ، وكان يجد صعوبة كبيرة في إخراج الأحرف ، ونطقها بسهولة ، ويعيد الكلمة مرارا بصعوبة . لكنه تخلص من المشكلة بعد دخوله إلى المسجد وانضمامه للمدرسة القرآنية ، أين بدأ قراءة القرآن باستمرار وحفظه . و مع كثرة القراءة بدأت مشكلة النطق والتلعثم تخف تدريجيا حتى انعدمت تماما بفضل الله وعونه . ولا عجب في ذلك فالله قد جعل القرآن شفاء و مبعثا للطمأنينة، ولحسن النطق و إخراج الحروف على طريقتها الصحيحة. فالزموه وعلموه أولادكم ليكونوا أكثر طلاقة وفصاحة ، والله المستعان وعليه التكلان .

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى