شعرمنوعات
أخر الأخبار

من روائع الشعر (1)

اقرأ في هذا المقال
  • أعني بالشعر حديثَ النفس ولغةَ القلب، وكل ما يهز ويشجي، ويبعث الذكريات، وينشئ الآمال، ويقيم النهضات، ويحيي الأمم

الشعر فن جميل ، وأدب معبر ، وأسلوب مؤثِّر ، وإحساسٌ مصوَّر .. وفي أحسنه حكمة مخزونة ، ودرر مكنونة .. وفيه دروس وعبر .. وأحداث وصور ، وتاريخ وأثر ..

وقد انتقينا اليوم روائعَ مما قرأناه ، ما اعتمدنا فيه تقييم الشعراء ، ولا حُكم الأدباء . إنما هي أبيات تَركتْ فينا أثرا .. ورسمت لنا صورا .. وأيقظت فينا الحِسّ ، وأطربت النفس ، ولامست أعماق القلب ، وعزفت على أوتاره أعذب المعازف وأشجى الألحان . وقد قال علي الطنطاوي يصف الشعر الجيد الحق : “وإن الشعر الحق هو الذي يثير الشجون، ويحرك العواطف مع اتساقه في الآذان ومحافظته على الإيقاع ” ووصفه بأنه : “جمال القول وفتنة الكلام ، وهو لغة القلب فمن لم يفهمه لم يكن من ذوي القلوب “

لا أعني الشعر الذي هو الرنات والأوزان، ولا الألفاظ المنمقة التي لا تحمل معنى، ولكن أعني بالشعر حديثَ النفس ولغةَ القلب، وكل ما يهز ويشجي، ويبعث الذكريات، وينشئ الآمال، ويقيم النهضات، ويحيي الأمم، الشعر الذي يشعرك أنه يحملك إلى عالم غير هذا العالم علي الطنطاوي – رجال من التاريخ الجزء الثاني

فمن أجمل الأبيات قول أبي الطيب المتنبي في قصيدته ” واحر قلباه ” :

إذا رأيت نيوب الليث بارزةفلا تظنن أن الليث يبتسم

وقال في حديثه عن أهل العزم العظماء ، وأن كل امرئ تأتيه العزائم على قدر همته :

عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُوَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُهاوَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ

ثم يصف القلعة الحمراء التي كانت مسرح الأحداث ، وكيف أنها نسيت لونها من سيل الدماء الحمراء ، ولم تفرق بين الغمام الذي سقاها ماء قبل المعركة ، وبين سيف الدولة الذي سقاها دماء من جمامجم رجالها وجيوشها . وقد كان تصويره قمة في الروعة والبلاغة :

هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لوْنَهاوَتَعْلَمُ أيُّ السّاقِيَيْنِ الغَمَائِمُ
سَقَتْها الغَمَامُ الغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِفَلَمّا دَنَا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
بَنَاهَا فأعْلى وَالقَنَا يَقْرَعُ القَنَاوَمَوْجُ المَنَايَا حَوْلَها مُتَلاطِمُ

ومن نفس القصيدة قوله :

أتَوْكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُمْسَرَوْا بِجِيَادٍ ما لَهُنّ قَوَائِمُ
إذا بَرَقُوا لم تُعْرَفِ البِيضُ منهُمُثِيابُهُمُ من مِثْلِها وَالعَمَائِمُ
خميسٌ بشرْقِ الأرْضِ وَالغرْبِ زَحْفُهُوَفي أُذُنِ الجَوْزَاءِ منهُ زَمَازِمُ
تَجَمّعَ فيهِ كلُّ لِسْنٍ وَأُمّةٍفَمَا يُفْهِمُ الحُدّاثَ إلاّ الترَاجِمُ

وله في شعر الحكمة الكثير ، ومن أجوده وأبلغه حديثه عن العقل والشجاعة ، وأن شجاعة لا يزينها ويسبِقُها عقلٌ وسدادُ رأيٍ ، اندفاعٌ لا معنى له ، وأن العقل لا قيمة له إن كان يختبئ خلف تلال الجبن ، واجتماعهما للمرء فضيلة له ، وعلو قدر :

الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِهُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍبَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ
وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُبالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ
لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍأدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ
وَلما تَفَاضَلَتِ النّفُوسُ وَدَبّرَتْأيدي الكُماةِ عَوَاليَ المُرّانِ

ومن روائع الشعر وأجزله ، وجيّدهِ سبْكًا وقوةَ لغةٍ ، وعمقَ معنى ، معلقة امرئ القيس ومطلعها قوله :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتُوضِح فالمقراة لم يعفُ رسمها لما نسجتها من جنوب وشمأل

وأكثر ما يعجبني فيها قوله في الليل :

ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَــهُعَلَيَّ بِأَنْـوَاعِ الهُـمُوْمِ لِيَبْتَلِــي
فَقُلْـتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّـى بِصُلْبِــهِوأَرْدَفَ أَعْجَـازاً وَنَاءَ بِكَلْكَــلِ
ألاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيْلُ ألاَ انْجَلِــيبِصُبْحٍ وَمَا الإصْبَاحُ منِكَ بِأَمْثَــلِ
فَيَــا لَكَ مَنْ لَيْلٍ كَأنَّ نُجُومَـهُبِـأَمْرَاسِ كَتَّانٍ إِلَى صُمِّ جَنْــدَلِ

و القصيدة الزينبية لصالح عبد القدوس تُعدّ كذلك في الروائع ، ومنها:

ذَهَبَ الشَّبابُ فما لهُ مِنْ عَوْدَةٍوأتى الْمَشيبُ فَأَينَ مِنْهُ الْمَهرَبُ
دَعْ عَنْكَ مَا قَدْ كان في زَمنِ الصِّباواذْكُرْ ذُنُوبَكَ وابْكِهَا يا مُذْنِبُ
واذكر مُناقَشَةَ الْحِسابِ فإنَّهُلا بُدَّ يُحْصَى ما جَنَيْتَ ويُكْتَبُ
لم يَنْسَهُ الْمَلَكانِ حينَ نَسِيْتَهُبَل أَثْبَتاهُ وأَنتَ لاهٍ تَلْعَبُ
والرُّوحُ فيكَ وَدِيعةٌ أُودِعْتَهاسَتَرُدَّها بالرُّغْمِ منكَ وتُسْلَبُ
وغُرورُ دُنْيَاكَ التي تَسْعَى لهادارٌ حَقيقَتُها مَتاعٌ يَذْهَبُ
والليلُ فاعْلَمْ والنَّهارُ كِلاهُماأَنْفاسُنا بهما تُعَدُّ وتُحْسَبُ
وجميعُ ما خَلَّفْتَهُ وجَمعتَهُحقاً يَقيناً بعدَ مَوتِكَ يُنْهَبُ
تَبَّاً لدارٍ لا يَدُومُ نَعِيمُهاومَشِيدُهَا عمَّا قَليلٍ يَخْرَبُ

ويقول أيضا في نفس القصيدة :

لا خَيْرَ في وُدِّ امْرِئٍ مُتَمَلِّقحُلْوَ اللِّسَانِ وَقَلْبُهُ يَتَلَهَّبُ
يَلْقَاكَ يَحْلِفُ أَنَّهُ بِكَ واثِقٌوَإِذا تَوَارَى عَنْكَ فَهوَ العَقْرَبُ
يعُطْيِكَ مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ حَلاوةًوَيَرُوغُ مِنْكَ كَمَا يَروغُ الثَّعْلَبُ

ويقول ابن تمام في كون حياء المرء زينة له وخير ، وذهابه شر :

يَعِيش المَرْءُ ما استحيَى بِخَيرٍويبقى العودُ ما بقيَ اللحاءُ
فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌولا الدُّنيا إذا ذَهبَ الحَياءُ
إذا لم تخشَ عاقبة َ اللياليولمْ تستَحْي فافعَلْ ما تَشاءُ

و يقول أبو الأسود الدؤلي في ضرورة العمل بالعلم قبل تعليمه للناس :

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيْرَهُهَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَىكَيْمَا يَصِحُّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ
وَأَرَاكَ تُصْلِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَاأَبَدًا وَأَنْتَ مِنَ الرَّشَادِ عَقِيمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُعَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَافَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُقْبَلُ مَا تَقُولُ وَيُقْتَدَىبِالعِلْمِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ

ومن أجمل ماقاله الإمام الشافعي في الرضا بالقضاء والقدر وعدم الجزع ، والتجلد والصبر ، ومواجهة المصائب بعزم شديد ، وأمل جديد ، وقلب من حديد :

دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُوَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَياليفَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداًوَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ

وقال أيضا في من ينظر إلى عيوب الآخرين ويشكو زمانه ، ناسيا عيوب نفسه ، متجاهلا أخطاءه ونقائصه :

نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فيناوَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍوَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا
وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍوَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا

ويقول داعيا وحاثا على نسيان الهموم ، وحسن الظن بالله والثقة به وبلطفه جل وعلا :

سَهِرَت أَعيِنٌ وَنامَت عُيونُفي أُمورٍ تَكونُ أَو لا تَكونُ
فَاِدرَأِ الهَمَّ ما اِستَطَعتَ عَن النَفــسِ فَحِملانُكَ الهُمومَ جُنونُ
إِنَّ رَبّاً كَفاكَ بِالأَمسِ ماكانَ سَيَكفيكَ في غَدٍ ما يَكونُ

ومما قال المتنبي في الحث على طلب المعالي ، وعدم الرضا بالدون :

إذا غامرت في شرف مرومفلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقيركطعم الموت في أمر عظيم

وقال علي ابن أبي طالب – رضي الله عنه – في اكتساب الأدب ، وضرورة فخر الفتى بنفسه وسعيه ، لا بنسبه وآبائه :

كن ابن من شئت واكتسب أدبايغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول هأنذاليس الفتى من يقول كان أبي

وكذلك قول الشاعر :

السبع سبع ولو كلت مخالبهوالكلب كلب ولو بين السباع ربي
وهكذا الذهب اﻹبريز خالطه صغر النحاس وكان الفضل للذهب
ﻻ يعجبنك أثواب على رجلدع عنك أثوابه وانظر إلى اﻷدب
فالعود لو لم تفح منه روائحهلم يفرق الناس بين العود و الحطب
وليس يسود المرء إﻻ بنفسهوإن عد آباء كراما ذوي نسب

ومن أجمل ما سمعت من الشعر ، ماألقاه الشيخ سالم العجمي في خطبته الرائعة عن محنة الإمام أحمد . أنشده بأسلوب مؤثر ، جميل ، يدخل القلب قبل الآذان ، ويهيج النفس ، ويوقظ الوجدان . وهو قول الشاعر :

كفكف دموعك فالطريق طويللا تترك الدمع العزيز يسيل
في أول الدرب الطويـل تحسرٌماذا عساك- إن ابتليت-تقـولُ
يا أيـها السـني لا تجــزع إذاشـح الوجود وهاجمتك فلـولُ
واعلم بـأن الله ناصـر عبــدهولـه مقاليـد الأمـور تؤولُ

و في خطبته عن فضل الصحابة رضوان الله عنهم ، عرض العديد من المواقف الجميلة في حياة الصحابة ، وكيف أنهم كانوا يفدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسالته بدمائهم وأموالهم وأرواحهم وأنفسهم. و ذكر في هذا السياق قصة موت خبيب بن عدي رضي الله عنه ، الذي قال حين سأله أبوسفيان – وقد كان وقتها كافرا – ” نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ يَا زَيْدُ ، أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدَنَا الآنَ بِمَكَانِكَ ، يُضْرَبُ عُنُقُهُ ، وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ ؟ ” فأجابه : “وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ مُحَمَّدًا الآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ ، وَأَنِّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي”، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ ، أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا ” ، ثم أنشد خبيب أبياتا عظيمة من الشعر ، حريٌّ بها أن تكون شعار كل مسلم مؤمن بالله :

ولست أبالي حين أقتل مسلماعلى أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات اﻹله وإن يشأيبارك على أوصال شلو ممزع

وأنشد كذلك من روائع شعر ابن العتاهية لما قال له هارون الرشيد : ” صف لنا ما نحن فيه من النعيم ” ، فقال له واعظا ، ناصحا ، منبها ، ومذكرا بالموت :

عِشْ ما بَدَا لكَ سالماًفي ظِلّ شاهقَة ِ القُصورِ
يسْعَى عليكَ بِمَا اشتهيْتَلدَى الرَّوَاح أوِ البُكُورِ
فإذا النّفوسُ تَقعَقَعَتْفي ظلّ حَشرجَة ِ الصّدورِ
فَهُناكَ تَعلَم، مُوقِناًمَا كُنْتَ إلاَّ فِي غُرُورِ

ومن جميل الشعر ، القصيدة المنفرجة ليوسف بن محمد بن يوسف التوزري المعروف بابن النحوي ، وقد استهلها بقوله :

اشتَدَّي أزمَةُ تَنفَرِجيقَد آذَنَ لَيلُكِ بِالبَلَجِ
وَظَلامُ اللَّيلِ لَهُ سُرُجٌحَتّي يَغشَاهُ أبُو السُرُجِ
وَسَحَابُ الخَيرِ لَهَا مَطَرٌفَإِذَا جَاءَ الإِبّانُ تَجي
وَفَوائِدُ مَولانا جُمَلٌلِسُرُوحِ الأَنفُسِ والمُهَجِ
وَالخَلقُ جَميعاً في يَدِهِفَذَوُو سِعَةٍ وَذَوُو حَرَج

ومنها قوله :

و معاصي الله سَمَاجَتُهَاتَزدانُ لذي الخُلقِ السَّمِج
و لِطاعَتِه و صَبَاحَتِهاأنوارُ صبَاحٍ مُنْبَلِجِ
من يخْطو بحُورَ الخُلْدِ بِهايَحظَى بالحُور و بالفَنَجِ
فكُنِ المَرْضِيَ لهَا بِتُقىتَرْضَاهُ غَداً و تَكونَ نَجِي
و اتْلُ القرآن بقَلْبٍ ذِيحُزنٍ و بصَوتٍ فيه شَجِ
و صلاة الليل مسافَتُهافاذهَبْ فيها بالفَهْمِ و جِي
و تأمَّلَها و معانِيهاتَأتِي الفِردوسَ و تَبْتَهجِ
و اشرب تَسْنِيمَ مُفَجِّرِهالا مُمْتَزِجًا و بمُمْتَزِجِ

ومن الأبيات التي طالما أثرت في نفسي – ربما لسهولة لفظها وعميق معانيها ، أو لأنها خرجت من قلب قائلها وحريٌّ لما كان من القلب أن يلج القلب – ماجاء على لسان محمود غنيم في قصيدته الطويلة ، في رثاء المسلمين والحال التي وصلوا إليها . والبكاء والحنين إلى عهد كانوا فيه سادة الدنيا وأمراءها ، وقادة عزها و رواد نهضتها . ومطلع القصيدة قوله :

مالـي وللنــجـم يرعاني وأرعـاهأمســى كلانا يعاف الغمض جفناه
لـي فـيك يا لـيـل آهات أرددهـاأواه لو أجدت المـــحزون أواه

وأكثر ما أحببت فيها – ولا أدري لما تعلقت بهذه الأبيات دون غيرها – قوله في وصف الإسلام و تصوير أخوة المسلمين فيه :

إنّـِي لأعتـبرُ الإسـلام جـامعـةللشـرق لا مـحـض ديـنٍ سـنّهُ الله
أرواحنا تـتلاقـى فـيه خـافـقةكالـنحل إذ يـتـلاقـى فـي خـلاياه
دستوره الوحي والمختار عاهلهوالمسلمون وإن شتّوا رعاياه

والقصيدة في مجملها جميلة مؤثرة ، وأبياتها معبِّرة ، ومعانيها عميقة ، وألفاظها سهلة رقيقة ودقيقة . لا يشق على القارئ فهمها وتفسير كنهها ، ولمس الأثر الذي تتركه في الروح قبل النفس ، وتهز به الكيان ، وتدخل به الجَنان والوجدان .

كثيرة هي الأبيات والقصائد التي أحبها ، وأراها من روائع ما قيل إما لبراعة معناها أو لجودة اللفظ والتركيب أو لجمال الأسلوب . ولست في مقام الحكم على الشعر وجودته ، وما بلغت تلك المنزلة ، إنما أنقل من الشعر ما أحببت ، وماكان له في نفسي حظوة وأثر بليغ ، لم يكن لغيره . وقد كتبت هنا ما استحضره عقلي وقت كتابة المقال ، وللمقال تتمة -بإذن الله – ننتقي فيه جميل الشعر أسلوبا ومعنى .

وأختم هذه الباقة بأبيات لأبي فراس الحمداني قرأتها يوما فأعجبتني ، وهي ما قال عنه ابن القيم في كتاب “مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ” في فصل ” إيثار رضى الله على رضى غيره وإن عظمت ” : ” معلوم أنه لا صلاح للنفس إلا بإيثار رضى ربها ومولاها على غيره ، ولقد أحسن أبو فراس في هذا المعنى ، إلا أنه أساء كل الإساءة في قوله ، إذ يقوله لمخلوق لا يملك له ولا لنفسه نفعا ولا ضرا ” . :

فليتك تحلو والحياة مريرةوليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامروبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي تحت التراب تراب

وقد ذُكرت هذه الأبيات بطريقة مؤثرة في برنامج “ذكرى” حلقة قيام الليل أو أسرار الأسحار . وفي ختام الحلقة ذُكرت أبيات رائعة أسوقها لكم ليكون لكم بها جزيل النفع ، ويكون ختام مقالنا مسكا :

يا نفْسُ فازَ الصالحون بالتُّقَىوأبصَروا الحقَّ وقلبي قد عَمِىِ
يا حُسْنَهم والليلُ قد أجَنَّهُمْونورُهم يفُوقُ نورَ الأنْجُمِ
تَرَنَّموا بالذِّكْر في لَيْلِهُمُفَعَيْشُهم قَدْ طابَ بالتَّرنُّمِ
قلوبُهُمْ للذِّكْرِ قَدْ تَفَرَّغتْدمُوعُهم كلُؤْلُؤٍ منْتَظِمِ
أسْحارُهُمْ بنورِهِمِ قَدْ أشْرَقَتْوخِلعُ الغفرانِ خَيْرُ القِسَمِ
قَدْ حَفِظوا صيامَهُم من لَغْوهِموخَشَعُوا في الليلِ في ذِكْرِهِمِ
ويْحَكِ يا نفسُ أَلاَ تَيَقَّظِيللنَّفْعِ قبلَ أنْ تَزِلَّ قَدمِي
مضى الزَّمانُ في تَوَانٍ وَهَوىفاسْتَدْرِكِي ما قَدْ بَقِي واغْتَنِمِي

المراجع


  1. كشف الظنون ، حاجي خليفة
  2. جواهر الأدب ، أحمد الهاشمي
  3. فكر ومباحث ، علي الطنطاوي
  4. ديوان الشافعي
  5. ديوان أبي الأسود الدؤلي
  6. ديوان امرئ القيس
  7. ديوان المتنبي
  8. خطبة فضل الصحابة ، سالم العجمي
  9. خطبة محنة الإمام أحمد ، سالم العجمي
  10. خطبة هارون الرشيد ، سالم العجمي
  11. برنامج ذكرى ، أسرار الأسحار ، قناة المجد
  12. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ، ابن قيم الجوزية
  13. مجالس شهر رمضان ، الشيخ محمد بن صالح العثيمين
  14. ذكريات علي الطنطاوي – الجزء 3 – ص 401
  15. رجال من التاريخ الجزء 2 ص 101 علي الطنطاوي
بواسطة
manzili.life
المصدر
خطبة محنة الإمام أحمد - سالم العجميخطبة فضل الصحابة - سالم العجميخطبة هارون الرشيد - سالم العجميبرنامج ذكرى - أسرار الأسحارمجالس شهر رمضان - العثيمين مدارج السالكين - ابن القيمفكر ومباحث - علي الطنطاويذكريات علي الطنطاويرجال من التاريخ - علي الطنطاوي

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى