خواطرمنوعات
أخر الأخبار

… ما حيلة المحزون غير بكاء

دَخلَتْ إلى مصلّى الجامعة بخطى متثاقلة . واتخذتْ لنفسها ركنا قصيا في إحدى زواياه . بقيتْ صامتة لوهلة .. شاردة الذهن .. ثم طأطأت رأسها ، وأجهشت بالبكاء.
قدِمت زميلتها ، ووجدَتْها على تلك الحال المزرية . فقامت إليها تهدئ من روعها ، وتستجديها أن ترحم نفسها قليلا ، وتحثها على الصبر : ” لم ينتهي الأمر بعد .. لا زال لديك فرصة للتعويض ، ربما لم تعملي في هذه المادة ، لكن القادمة ستكون أحسن بإذن الله ، ثقي بنفسك .. هذه البداية فحسب ، هذه ليست نهاية العالم ” .. وغيرها من كلمات التشجيع والمواساة ..


لكن كل ذلك لم يهدّئها ، ولم يجبر قلبها الكسير . بل زاد ألمها حرقة ، وبكاءها حدة – ولا يفهم ذلك الشعور إلا من جربه وتجرع مرارته – . وبعد مدة هدأت قليلا .. لملمت حاجاتها ، وهمت بالمغادرة . وهنا سألتها زميلتها مستغربة ومستفسرة :

– إلى أين ؟
– إلى الإقامة (الجامعية)
– ماذا ستفعلين هناك ؟ (قالتها باستغراب)
– لا أدري
– ماذا عن امتحان المساء ؟ ستأتين ؟ صحيح؟
– نعم ، سآتي ..
– إذًا ، في أمان الله ، ارتاحي قليلا ، ولا تنسي اختبار المساء
– مع السلامة

أوصدَت الباب وخرجتْ .. ولا أدري إن كانتْ قد قدِمتْ مساءا أم لا ..


لم يكن هذا أول موقف أرى فيه مشهدا مماثلا ، فقد عايشتُ قبله الكثير . وطالما شاهدتُ بكاء زميلاتي بعد الامتحان أو عند تسليم النقاط ، وأحاول تهدئتهن والتخفيف من حزنهن لكني لا أعرف ما أقول . ليس لأني لا أحفظ عبارات التشجيع ، بل لأني أفهم جيدا ذلك الإحساس الذي ينتاب شخصا يعلم جيدا أنه لم يدخر جهدا .. ثم لسبب أو لآخر ، لا يجني ثمار تعبه المنتظرة ..

يبكي بكاء الطفل فارق أمه  . . . .  ما حيلة المحزون غير بكاء. إيليا أبو ماضي


لا أستطيع المواساة ، لأني لا أحب أن يواسيني أحد في ذلك الموقف ، بل أفضّل البقاء وحدي ..
عندما أمرّ بتلك الأوقات العصيبة ، أنا أبكي رغما عنّي .. ليس لأني أظن أن البكاء يعيد ما ذهب .. لا .. أنا أبكي لأن ذلك يريحني ..
أنا أبكي لأن الدموع تجلو ألمي ، وتُفرّغ حزني ..
أنا أبكي .. لأنه عندما يقلص دمعي ، أعود أفضل ممّا كنت . أعود بروح أقوى ، وهمة أعلى ..
أنا أبكي لأني لا أحب أن يبقى أثر حادث مَرَّ مختزنا في داخلي ، بل أريد أن أتحرّر من قيده .. وأطالع الحياة بوجه طلق ..

إن البكاء يُوسع الرئة ويغسل الملامح ويُدرب العيون وغالباً ما يُهدىء المزاج فابك كما تريد تشارلز ديكنز


لا أحب أن تطوقني المشاكل والآلام ، أو تكبل جسمي وجوارحي .. فأبقى حائرا في متاهة الماضي ، ولا أخطو خطوة نحو الأمام ..
أحب طعم الهدوء وراحة البال ، لذا لا أحب أن أتقوقع في دائرة مُفرغة .. أو أغرق في دوامة “مافات ” و “ليته كان ” ..
لا أحب أن أغلق على نفسي ، وأقبع في ظلام اليأس والإحباط ، فلا تجد أشعة النور طريقها إلى قلبي وروحي ، ويضيع عمري في قعر معتم ..
أحب أن أكون خفيف النفس ، فلا أحملها جبلا من الهموم .. يُشِلُّ حركتها ، ويُنهِكُ قواها . بل أتوقف كل مرة لأحط الحمل عني .. وأستعيد نشاطي ، ثم أواصل السير بخطى وئيدة ، وعزم مُتّقِد .


ليس عيبا أن تبكي متى ماشعرت بالضيق .. بل ابكِ .. توجه لربك وابكِ ، فهو وحده يعلم ماتقاسيه ، ووحده القادر على تفريج كربك ..

الدموع هبة من الله فغالبا ما نستجمع قوانا المنكسرة بعد البكاء. فكتور هوغو


أطلق لدمعك العنان ، علَّهُ يغسل عن قلبك همّه ، ويُذهب حزنه . ابكِ .. ولكن .. إياك أن تيأس .. لا تستسلم ، فاستسلامك يعني نهايتك ، ورضوخك لليأس يعني اعترافك بالهزيمة .
كلنا نعثر ..لكن القوي من ينهض .. ويتابع المسير ..
كلنا نُخطِئ ..لكن المؤمن من يتعظ ويتعلم من خطئه ، ولا يُلدغ من الجحر مرتين .
كلنا بشر .. أنا إنسان ، وأنت إنسان .. “وخُلِق الإنسان ضعيفا ” . وما يصنع الفرق هو قوة إيماننا .. هو ثقتنا بالله ثم بأنفسنا ..ما يجعل العالم يحوي فاشلا وناجحا ، هو علو الهمة أو فتورها ، قوة الإرادة أو ضعفها .. القلب المتّقد حماسا ، أو القلب الجامد الخامل ..


لديك الخيار .. وبيدك القرار ..
إن أردت أن تحيا عمرك فاشلا ، فالأمر سهل ..
أما إن رُمت النجاح ، فعليك أن تجتاز الشعاب الوعرة .. وتتخطى الهموم القاهرة ، وتُعِدّ نفسك لكل ألوان المحن .
كن صلبا كالجبال ، صبورا كالجِمال ، مُجِدّا كالنمل .. رزينا .. حكيما .. مؤمنا .. متواضعا .. متخلقا ..
لا تُلقي للمحبطين بالا .. بل صُمّ أذنيك ، وضع حلمك نصب عينيك .
لا تيأس حتى لو سمّوك فاشلا .. فمِنَ الفشل يُخلق النجاح ..
لا تحتقر نفسك ، فليس هناك من وُلِد عالما أو ناجحا ..
لا تتكبر على نصح ناصح ، بل خذه بالحسبان ، واعمل بأحسنه مااستطعت ..


وأخيرا ..
توكل على الله ، ثق به وبوعده .. ثم ثق بنفسك . تحدّى .. قاوم .. وتبسم للحياة . وتذكر أنه مهما تأزمت الأوضاع فستجد المخرج .. هناك دائما بصيص أمل ، فابحث عنه تجده .

بواسطة
manzilli.life

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى