الأسرة

لماذا الزواج؟

مسكت دفترها وقلمها ، ومضت منطلقة باحثة عن جواب لتساؤلها ، سائلة كل من له شأن بموضوعها ، الذي كان محوره: ” هل سألت نفسك لماذا تزوجت وما الهدف من ذلك؟”. كل شخص أدلى بجواب، وساق سلسلة من الأسباب؛ فتلك قَهَرَها الحرمان ، وحسبت أن الزواج يمنحها الحضن المفقود والحب المنشود. وذاك يريد خادمة تخدمه وتحشو بطنه بالطعام، أو حالمة تعيش قصص الأفلام، أسيرةً للأوهام، تترقب بفارغ صبرٍ إطلالة فارس الأحلام ليأخذ بيدها إلى بر الأمان. وبعضهم يريد به المتعة والاستجمام، وقضاء حاجة. تكثر الأجوبة، وتتعدد الرؤى، وتتباين الأحلام والأماني، وقلّما تجد بينها رأيا سديدا، وهدفا حميدا، وفهما صحيحا لهذا الميثاق الغليظ بكل ما يحيطه من قدسية، وما يملكه من أهمية عميت عنها القلوب، وانقطعت إليها الدروب.

هذا هو حال وفكر أبناءنا وبناتنا اليوم، قاصر فقط على بعض التصورات الزائفة ، والمعتقدات التالفة، التي أبعدت عن عقولهم المعنى والغاية المنشودة من الزواج، ولماذا شرَّعه الله في هذه الحياة؟ تراهم يتخبطون في مشاكل تافهة، وخناقات سخيفة ، كان سببها الأساسي أنهم نظروا للزواج من زواية معالج واحد، ولم يلتفتوا للجوانب الأخرى، لذا قويت الشكاوى من هذا وذاك بأنهم لايشعرون بالسكن الذي كانوا به حالمين. نعم : لأنكما لم تكملا مقومات الزواج، ونظرتما إليه نظرة إعوجاج ،فكانت النهاية بينكما ملأى بالأوجاع .

المقومات التي يُبنى عليها الزواج :

الزواج من أعظم النعم التي امتن الله سبحانه وتعالى بها على عباده؛ لما ينتج عنه من الطمأنينة التي تملأ قلب الزوجين؛فإذا بحياتهما تمتلئ غبطة؛ وتشع سروراً، وتزيد ابتهاجاً. ولذلك قال الله تعالى وهو أصدق القائلين والعالم بمكنون النفوس وبواطن القلوب وأسرار الصدور: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون

فسبحانه تعالى قال :”لتسكنوا إليها” ولم يقل: “معها“، لأن السكن مع الشيء يكون مع محبتك له وعدم محبتك؛ أما السكن إلى الشيء فإن فيه معنى أكبر من الأنس والألفة والمحبة والميل والطمأنينة.

ولحصول هذه المعاني الربانية ، وضع الإسلام مقومات أساسية تُبنى عليها الحياة الزوجية، وتتوطد بها العلاقات الأسرية ، وهي التي ستنذكرها كالآتي :

النسل:

جعل الخالق سبحانه استمرار النوع الإنساني على الأرض منوطاً بالتزواج، واستمرار النـوع هدف وغاية للخالق سبحانه وتعالى كما قال جل وعلا عن نفسه: {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين}. ولذلك أيضـاً جعـل االله سبحانه وتعالى الإضرار بالنسل من أكبر الفساد في الأرض كما قال تعالى: {ومن الناس مـن يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد االله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في
الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل واالله لا يحب الفساد
}.

والنسل الذي يصلح لعمارة الأرض وخلافتها وسكناها هو النسل الذي يأتي بطريق نكـاح لا بطريق سفاح، فالنسل السوي هو نسل النكاح. وأما نسل السفاح فهو مسخ يشوه وجه الحيـاة ويشيع فيها الكراهية والمقت. ولا يغيب عن بال قارئ مثقف في عصرنا ما يعانيه العالم الآن من أولاد السفاح الذين خرجوا إلى الأرض بأجسام بشرية وبنفوس حيوانية مريضة ملتوية، قد فقدت الحنان في طفولتها ولم تعرف الأرحام والأقارب فغابت عنها معاني الرحمة.
والنكاح بأصوله وحدوده وقواعده كما شرعه االله سبحانه وتعالى هو الوسيلة السليمة لاستمرار النوع الإنساني وبقائه .

الإمتاع النفسي والجسدي:

يهيئ الزواج لكل من الرجال والنساء متعة من أعظم متع الدنيا وهذه المتعة تنقسم إلى قسمين: سكن وراحة نفسية، وإمتاع ولذة جسدية.
قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكـم مـن أنفسـكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الروم:٢١). والسكن إلى المرأة يشمل سكن النفس وسكن الجسم، والمودة والرحمة من أجمل المشاعر التي خلقها االله. فإذا وجد ذلك كله مع الشعور بالحب والهداية إلى الفطرة ومرضاة االله سبحانه وتعالى كملت هذه المتعة ولم ينقصها شيء، وقد ساعد على ذلك بالطبع الأصل الأول للخلق، وغريزة الميل التي خلقها االله في كل من الذكر والأنثى للآخر وابتغاء هذا المتاع،

والسـكن بـالزواج مطلوب شرعاً كما قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها}، وهذا عن زينب رضي االله عنها، والوطر هو حاجة الإنسان كالأرب. والاستمتاع بالنساء لا ينافي التعبد الكامل بل هذا النبي صلى االله عليه وسلم سيد العابدين والمتقين يقول: [حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة].

فمحبة الطيب والنساء لم تمنعه صلوات االله وسلامه عليـه أن يكون رسول االله صلى االله عليه وسلم للعالمين وأن يكون سيد العابدين المتقين، ولذلك فقد وسع االله عليه في ذلك، حيث قال: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجـورهن ومـا ملكت يمينك مما أفاء االله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين..} .

وبيَّن سبحانه وتعالى أنه لا حرج ولا ضيق على النبي في هذا المباح والذي أوجب االله عليـه بعضه أحياناً كما أوجب عليه أن يتزوج بزينب وأمره بذلك حيث قال: {فلما قضى زيد منهـا وطراً زوجناكها..} الآية، فالآمر بالزواج هنا هو االله سبحانه وتعالى وبين أنه لا حرج عليـه في هذا حيث قال: {ما كان على النبي من حرج فيما فرض االله له سنة االله في الذين خلوا من قبل وكان أمر االله قدراً مقدوراً}.
والشاهد من هذا كله أن متع الزواج الحسية والنفسية من خير ما خلق االله من متاع لعباده في الدنيا، وابتغاء هذا المتاع وفق تشريع االله وهديه من الأسباب التي توصل إلـى مرضـاة االله سبحانه.

بلوغ الكمال الإنساني:

من حكم الزواج : بلوغ الكمال الإنساني الذي لا يبلغه الرجل إلا في ظل الزواج الشرعي ، الذي يتوزع فيه الحقوق والواجبات توزيعاً ربانياً قائمـاً علـى العـدل والإحسان والرحمة، لا توزيعاً عشوائياً قائماً على الأثرة وحب الذات وافتعال المعـارك بـين الرجال والنساء ، وأخذ الحقوق والتنصل من الواجبـات بالشـد والجـذب والتصـويت في(البرلمانات).
فالمتع الجسدية والنفسية تعمل عملها في نفس الإنسان، وفكره وقواه النفسية والبدنيـة فيشـعربالرضاوالسعادةوالراحة النفسية والجسدية ،حيث تتصرف طاقته وغريزته بـأنظف الطـرق وأطهرها ، لينشأ بين الزوجين الوفاء والحب الحقيقـي القـائم علـى الـمودة والرحمـة والمشاركة، لا ذلك الميل الحيواني القائم على تفريغ الشهوة وبلوغ اللذة دون وجـود الوفـاءوالرحمة.
كما أن توزيع المسؤوليات في الزواج ينمي قدرة الرجل على القيام بالواجب، ويجعل له هدفاً سـامياً في الحياة،هو إسعاد زوجته أو حمايتها والسعي في سبيل أبنائه وذريته. وبالمسئوليات يتربى الرجال وكذلك بالمسئوليات الملقاة على الزوجة نحو الزوج تكمل شخصية المرأة.


التعاون على بناء هذه الحياة:

هذه الحياة التي نعيشها على ظهر هذه الأرض تفرض علينا أن نعيش في مجتمع، والمجتمـع بناء كبير يتكون من لَبِنات. والوحدة الأولى من وحدات هذا المجتمع هو الفرد رجلاً كـان أم امرأة. والرجل والمرأة مستقلاً كلاً منهما عن الآخر لا يستطيع أي منهما العيش، بل كل منهما محتاج للآخر حاجة شق النواة للشق الثاني بل حاجة الشيء إلى نفسه، ولذلك لا يمكن أن نبني مجتمعاً سليماً إلا بتكوين لبنة سليمة، ولا نستطيع أن نقول إن الرجل بنفسه لبنة واحدة ولذلك كانت الأسرة هي اللبنة الأولى لبناء المجتمع السليم، وبتعاون الزوجين تبنى الحياة، ولذلك فعقد الزواج يشابه عقود الشركة من هذا الوجه. أعني المشاركة في بناء الحياة وتحمل أعبائها.
هذه أهداف أربعة اجعلها أمامك: النسل، والاستمتاع، وبلوغ الكمال الإنساني، والمشاركة لبناءالحياة.


الفسيفساء

كاتبة متخصصة في العلوم الإسلامية والتغذية الصحية ومهمتة بعلوم الحاسب والبرمجة وتعلم اللغات الحية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى