لفتات وثرثراتمنوعات

حاسب نفسك.. أحلامُ طفلة وعزائمُ ضحلة..

الثلاثاء 31 جانفي 2023:

“نحن في السنة الثالثة والعشرين بعد الألفين للميلاد .. اليوم فقط لاحظت هذا، وشعرت أننا فعلا بدأنا نخطو خطوات سريعة نحو النهاية _إن افترضنا أننا سنصعد سُلَّمَ الحياة بجميع درجاته قبل أن توافينا المنية _  

اليوم فقط تنبهت أني شارفت على ختم عقدي الثالث بدون أي إنجاز يُذكر.  ولو تتبعت خارطة أحلامي الصغيرة فيُفترض بي الآن في هذا العمر أن أكون علَّامَةَ زَمَانِي ونَجمًا بين أقرانِي، لكنِّي وصلتُه و”ما عندي ما عند جدتي”  كما يقولون. أكاد أُتِمُّهُ وأنا كما أنا  “صِفر” ، بكلِّ ما تحمله حلقة “الصِّفر” المفرَغَةُ من معنى. “صِفرٌ” تدور عجلة حياتي في دائرته دون أن تفكِّرَ في الانعطاف ولو قليلا لتخرج من رَتَابَتِهِ القاتِلَة، أو الانحراف عن متاهته لتنجو، وفي  بعض الانحراف –كما قد تعلمون- نجاة.

السِّنُون تَمضي، والعمر يقضي، وأَرَانِي لا زلت أعيش أحلام الصِّبَا وأغزلُ خيوط الأمل، وأرسم أمنيات الطفولة بطباشير الكسل. الكسل الذي يحجب عن عيوننا سير الزمن فنحسبُ أنَّها لا تكبرُ إلَّا الأجسامُ، وتبقى أرواحُنا “طِفلة” تحلم وترسم، وتبني قصور الوهم اليوم أملا في رؤيتها واقعا مع بزوغ فجر الغد. ويُنسينا أنَّنا كبرنا عقلًا وجسمًا وروحًا، وأنَّ الغدَ الَّذي انتظرناه وما زلنا في انتظاره قد جاء منذ زمن، وتلاه غدٌ وغُدُوَات ولا رأينا فيهِ أملًا ولا عملًا، ولا حُلمًا ولا رسمًا. كلُّها ظلَّت كما تركناها؛ على أجفان النَّعسان، وفي سهوات اليقظان، وعلى ورق الرَّسم وخربَشاتِ الجدران.

آن لنا أن نعرف أن عزائمنا هي “الطفلة”، طفلة لا زالت تحبو وتسقط ثُمَّ تقوم، وبين سقوطها وقيامها  فراغٌ شاسِع، وعُمرٌ ضَائِع. “

الثلاثاء 10 أكتوبر 2023:

كتبتُ الكلام أعلاه في رأس هذا العام، كتبتُه في اللحظةِ التي استنفرتُ فيها جيوشَ همَّتي، وشحذتُ سيوف عزمتي لأبدأ عامًا حافلا بالإنجازات، مكلَّلًا بالانتصارات. كتبتُه وأنا أقول لنفسي هنا النهاية والبداية؛ نهاية التسويف واللامبالاة، وبداية الكد والعمل. لكنها ما كانت بداية هذا ولا نهاية ذاك، وسار العامُ بَيْنَ بَيْن متقلِّبًا بين الاثنين.

حاسب نفسك، قبل أن تدفع حساب الأيام غاليا

هذه ثرثرة أكتبها من فترة لأخرى لأحاسب نفسي وأفرغ رأسي من عواصف الأفكار التي تداهمه كلما تاهت به الطرق، وتَفَرَّقَت بِه السُّبُل. ثرثرة يحتاجها كل شخص ليُصَفِّي حساباته قبل أن تُصفّيه، ولِيضَع النقاط على الحروف قبل أن تختلط عليه مع مرور الوقت، والنسيان عدو الإنسان وأليفه في الوقت ذاته.

حين يتعود الإنسان أن يحاسب نفسه من وقت لآخر سيتاح له استدراك الكثير من الهفوات، وتجاوز العديد من العقبات. وسيحسن من نفسه للأفضل، ويصلح كل عطب في قطار سيره، ويعدِّلُ السِّكَّة إن مَالَت.

 قال عمر بن الخطاب: “حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة، عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة”

وقال الحسن: “إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة همته”.

وكان الأحنف بن قيس يجئ إلى المصباح، فيضع إصبعه فيه ثم يقول: حس يا حنيف، ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟

دوّن إنجازاتك وأفكارك ويومياتك

حاسب نفسك .. اكتب ما فعلته بالأمس وبعد شهر وبعد سنة، وارجع إليها بعد مدة وستلقى عجبا .. ستضحك وتبكي وتتحمس ثم تتخاذل، ستعيش زوبعة من المشاعر في لحظات فقط. ستلاحظ كم تغير تفكيرك، وتحسن أو ساء تدبيرك، وكم كنت عجولا ثم همدت، عصبيا ثم رشدت. وستعرف من أي المحطات انطلقت وفي أيها وقفت. ومن أي الخطوات عدلت، وفي أيها زللت. وستقرأ بين السطور والحروف عن أشخاص مختلفين في العُمر والفِكر، وكلهم “أنت”. وباختصار، ستجد نفسك في تلك الأوراق.

استعن بما يحمّسك:

إن لقيت من نفسك خمولا، واستشعرت في همتك ذبولا فاقرأ ما يحمسك ويعلو بهمتك. اقرأ شيئا خفيفا كهذا: رسائل في الهمة 1 ، رسائل في الهمة 2 ، أو ثقيلا كهذا: علو الهمة. وصاحب أهل الهمة ما لقيتهم، وجانب أرباب الكسل أنّى رأيتهم، فالمرء على دين خليله، والصاحب ساحب. فاصحب من تعلو معه هَامَ السَّحاب، لا من يمرغ وجهك في التراب.

وفي الختام ..

اجعل نفسك رقيبا عليها، حارسا على بابها، فلأن تحاسبها اليوم  وأنت حازم، وعلى التغيير والتحسن عازم، خير من أن تقف غدا للحساب وأنت على ما فرطت نادم.

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى