خواطرمنوعات

عام جديد .. رحلة السنين في قطار الزمن

ليلة رأس السنة 2022 على الساعة 19:03:

نحن الآن في آخر أيام العام الحالي ، والذي سيصبح بعد ساعات قليلة “منصرما”، ويُلقى في حاوية الأيام بعدما انتهت صلاحيته، واقتربت نهايته..  سيصبح اسم “كان” بعدما كان مبتدءا فريدا لا تنقصه الأفعال، ولا تتآمر عليه “الأخوات”  .

على مشارف المحطة ..

الواحد والعشرون الآن قد حزم حقائبه وتفقد أوراقه .. نظر إلى ساعته فوجد عقاربها تمشي بسرعة كبيرة أو خُيّل له ذلك . الوقت يمضي سريعا، وللتو أحس بأن رحلته كانت قصيرة جدا ، رآها قد مضت كما تمضي هذه المناظر في الخارج بلمح البصر قبل أن يملأ المرء ناظريه منها.

 أطرق هنيهة ، ثم توسد كفه و نظر من النافذة لنقطة غير محددة ، عقله شارد ونظرته تائهة لا تستشف منها شيئا . عندما تراه يُخيّل إليك أنه غارق في التفكير، يخطط لأيامه القادمة،  ويجمع شتات أفكاره العائمة ، لكنه في الحقيقة يتابع شريط حياته وقد استعرضه بعقله وقلبه . فِلمٌ طويل لكنه يراه فارغا ومملا، مقدمته سخيفة وحكبته ضعيفة، وأحداثه مكررة .. إخراجه مليء بالفجوات والثغرات، والتمثيل ما هو إلا متتالية من العثرات والهفوات. لِلَحظة فَكَّرَ في البدء من الصفر، سيرمي كل ماضيه بعيدا ويبني حاضره ومستقبله على تربة جديدة وأرض لم تعبث بها يد عابث.. سيُعِيد كتابة قصته .. سيحبك خيوطها بمهارة وبأجود المناسج والمغازل، سيجعلها  مذهلة ، وسيمحو بها مهازله السابقة  .

 استيقظ من طيف الذكرى وسحابة الأحلام على صوت الصافرة . هي ذي المحطة تلوح في الأفق،  وشيئا فشيئا تباطأ القطار حتى توقف . في غمرة الأشجان وثقل الأحزان فكر في البقاء في القطار حتى يغادر المحطة ويبدأ رحلة جديدة، لكنَّ يدًا صلبة أمسكت بكتفه لتدفعه غصبا للخارج، سائق القطار لا يتساهل أبدا ، وهاهو يخبره بصوته الحازم الذي لا تملك أمامه إلا الإيماء برأسك أن “نعم ، حاضر” أن يُخلي مقعده  فورا لأن راكبا جديدا سيصعد، نهايته هي بداية آخر، وكم من بداية خرجت من رحم النهايات.

عام جديد وعام راحل

نهاية وبداية ..

  تردد كثيرا قبل أن يحمل حقائبه ويخطو خطواته الأخيرة إلى نقطة الفناء، هناك حيث سَيُحال إلى التقاعد الأبدي، وما التقاعد هنا إلا موت من نوع آخر .. موت لم يدعه داء أو وهن، وليس بعده قبر أو كفن، وليس فيه عزيز يبكيه، أو ناع يرثيه . حين تحين ساعته سيوطؤ بنعال العام القادم ، سيمشي فوقه ليصنع لنفسه حاضرا مختلفا، ومستقبلا لا تتعلق برقبته ديون الماضي وخطاياه . ولكن هيهات، فالحاضر ابن الماضي وأب المستقبل، ومهما حاول التبرؤ منه سيعود للظهور وسيُضطر للاعتراف به، ومهما بيَّض صفحاته الجديدة فسيبقى في الدفتر صفحات سود مهما مزقها وجد آثار الحبر قد لوثت البياض وعانق حبرها القاتم جِيده.           

كم كان لنا في هذا العام – كما كان لنا في غيره- من أحلام.. أماني كثيرة ، وأحلام كبيرة مات أغلبها قبل أن يُولد، وُوئد ما تبقى منها  وهو في ربيع العمر أو  ريعان الشباب ، ولم يُكتب إلا للقليل أن يقول كلمته  ويضع بصمته، ويثبت خطواته على أرض الواقع . وقد تكون أرضيةُ بعضِها هشة فتسقط وتنهار ، وربما تَمُدُّ الأخرى قدمها  أطول من لحافها فتُبتَر ، ولا يبقى في الميدان إلا واحد أو اثنين قد أحاطتهما العوائق والعقبات فيعيشان معها حالة من الخوف والتوجس والحذر ..

انتحار الأحلام ..

 أحلام الكثيرين لا تتجاوز العتبات ، تقف أمامها وقد تدلى من فوقها حبل ينتهي بعقدة ، وفي لحظة ما لا تُرى إلا معلقة على أعتاب الأبواب ..

نعم، الأحلام تنتحر ونحن من نقودها لهذه النهاية البائسة ، كان في يدنا أن نمسك يدها حينما كانت تطل علينا من خلف الباب وهي تنتظر منا أن نطمئنها بضَمَّة، أو نريح بالها بكلمة، أو نُطَيِّب خاطرها ببسمة، ونقول –كاذبين- أن طريقها سالك وما عليها إلا أن تُقدِّم رجلا وتُتبعها الأخرى،  فأول الدرب خطوة ، ولن تبرح مكانها إن لم تَخطُها .. هي تعلم كل ذلك ، لكنها تريد من يُسمعها ما تعرفه، وتعلم أننا كاذبون فالطريق موحش وصعب ، لكنها تُحبنا حين نكذب لأننا نُخرس صوت الخوف في قلبها من المجهول الذي ينتظرها إذا تجاوزت العتبة.

إنجازات موؤودة ..

في مثل هذا الوقت من العام الماضي جلستُ هذه الجلسة، وسطّرتُ أهدافا عدة لم أُصِب منها إلا قليلا . والخطأ أني لم أُوتر القوس، و لم أسحب السهم المناسب، وربما سحبت لكن تصويبي كان تصويب أحول.

مشاريع كثيرة لم تر النور ولم تذق طعم الحياة ؛ لم تعرف حلوها ومرها، ولا عسرها ويسرها . صدَّقَت كذبتي، وتمسكت بيدي التي مددتها في لحظة اتقاد، وخطت خطوتها وكلها ثقة بي، لكني خذلتها وأفلتُّ يدها في أول الدرب فماتت .

وعدتُ نفسي بعام حافل بالإنجازات، مُـتوَّجِ بالانتصارات، فكان –بتسويفي- أقلها إنجازا، وبتقصيري تكلّل بخيبات الأمل. أردته أن يكون عام الكتابة والتدوين، فلا يمر يوم إلا سطرت سطرا وسودت صفحة، لكنْ مرَّ اليوم تلو اليوم، والشهر بعد الشهر ، ولم أسطِّر إلا بضع كلمات. وانتهى العام وقد اصفرت الصفحات، ولعبت بوجهها النضر صروف الدهر وساعات الانتظار .. فعجزت قبل أن تقف، وهرمت ولمّا تعش الشباب.

العمر يمضي ولا زلت سادرة في الغي، متسربلة بالعجز. أمنّي النفس بدوام الشباب وهو زائل، وآنس بنجم الحياة وهو آفل .. أنسج الأحلام ولا أرتديها، وتلحقني فلا أحتريها ، فأضيعها وتضيعني.

يهبُّ اليأس فأتدثر بالأمل، ويُغريني الدفء فأغفو غفوة قصيرة أجدد بها العزم، وأطرد بها الوهم ، فلا أصحو إلا على أصوات العويل وصيحات الفزع .. وإذ الغفوة قد طالت، والآمال قد زالت، والموت قد أنشب منجله.

السير نحو أهداف العام الجديد

النهوض بالنفس ..

ولن أبخس نفسي حقها.. فحتى مع الهزائم التي تلقيتها على صعيد العمل، فقد كانت لي نجاحات على مستوى النفس، وانتصارات على شياطين الهوى بعد حروب كثيرة لازالت رحاها دائرة، وأطرافها ثائرة.

وكان للغة الرصيد الأكبر من النجاح، فقد قرأت الكتب حتى ملَّتني أو كادت، وقرأت الشعر والأدب بنهم شديد لم تَسكُت عصافيره بل كانت تزداد ظمأ وجوعا في كل مرة. وربما عزائي الوحيد بعد كل خسارة أواجهها أو إنجاز أضيعه على قارعة التسويف، أنني لم أصرفه إلا في المفيد وإن كان مع الكسب قد جرّعني الخسائر.

وضعتُ الموت أمام ناظري كثيرا هذا العام ، ولم يكن أمامي غير ذلك فقد مشى مرارا ببابنا، وجَرَّعَنا كأسَه في البعيد والقريب، والأهل والغريب.  حسّنت علاقتي بربي، وكلما ساءت جاهدت لأعيدها، ومازال التقصير يحوم حولي.  

  الختام ..

لا نشعر بمُضّي الوقت إلا إذا وقفنا نودّع النهايات .. عندها نلاحظ كم سار ونحن في ذات المكان لم نبرحه، وكم تعجّب لوقوفنا وذَمَّ ركودنا. الحياة خيل ونحن فرسانها ؛ فمن أحسن ترويض خيله لم يتعب آخر الطريق. ومن لم يُحكم اللجام ويمسك الزمام أفلت منه الخيل، وكُتِب له الشقاء أولا وآخرا .

اللهم اجعل عامنا هذا عام خير، واصرف عنا فيه كل شر ، وافتح بنا ولنا وعلينا ، واكتبنا من الصالحين.. آمين

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى