الأسرة

الزّوج الأعزب .. معاناة الزوج في فترة الحمل

لما أعددت ملف هذا المقال، وعادة ما أفعل ذلك على منصة ملفات جوجل أو Google DocsK، بحثت عن معنى أعزب في قاموس المعاني. والظاهر أن كلمة “أعزب” مثلما نستعملها نحن تعد قليلة الاستعمال. الأجود أن يقال فلان أو شاب عَزَبٌ، وهو الشاب الوحيد الذي ليس له زوجة. إذًا مَا دَخلُ العنوان وكيف تَشَكَّلَ الأخير وجَمَع بين ضدَّين لا يجتمعان أبدا؟

عندما تكون أعزبا أو قُلْ دَخَلتَ العمر الذي يُؤَهِّلُكَ للزَّواج في أعراف مجتمعنا؛ حاليا من أَكمَل عَامَهُ السابع بعد العشرين صار مُؤَهَّلًا لدخول القفص الذهبي كما يسمونه. كل من تعدى هذا العمر يسمع عبارات تكسر خاطره في معظم الأحيان . ومن هذا الكلام نذكر:

  • المسكين ! ملابسه صارت خرقا من النسيان ، تزوج رعاك الله!؟
  • المسكين ! هائم على وجهه في الأرض لا يدري أين يريد !!!؟
  • المسكين ! احتنكه التفكير ، وأَعيَتهُ الأيام بطولها ، تزوج هداك الله !!؟
  • متى تتزوج؟!
  • أي جديد عن الزواج؟ هل وجدت شريكة حياتك؟ هل؟ هل؟ وألف هل؟؟

المهم يصير حال الشاب بعد سماعه هذه العبارات بوتيرة دائمة إلى أمرين. أما الأول، فالتفكير غير المنقطع في الزواج وأحلام اليقظة والمنام بما ينتظره من نعيم مقيم. من كان هذا حاله، يغلق عقله ويعطل دماغه عن التَّدبُّرِ في أقوال مَن سَبَقَه مِن بَني جِنسِه، ويُفَضِّل العيش في عالم الأحلام المشرق الذي رسمته عبارات التحفيز المثبطة.

 أمَّا الثَّاني، فَكَرِهَ الفِكرَة ونَفَرَ منها. وهذا والله أعلم ما يُفتَرَضُ بِكُلِّ شابٍّ عاقلٍ يسمعُ كل تلك العبارات. لأن الرَّغبةَ في الزَّواجِ لَا يُحَبِّبهَا لِلمرءِ إلَّا اللَّطَائفُ والمواعظُ الحسنةُ التي يسمعُهَا الإنسانُ في المسجِد أو فِي الدُّرُوسِ والمحاضرات المختلفة. ومِن بين ما جَذبَ نفسي وحبَّبَ إِلَيهَا فِكرَةَ الزَّواج، محاضرَاتُ الشَّيخ سَالم العَجمي والشَّيخ عَبد الرَّزَّاق البَدر.

لِنَختِم الحَديثَ عنِ العُزُوبِيَّة. نَقُول، مَهمَا كَان حالُ الشَّاب المتعِّرضِ لِلِسَانِ المجتمع، سَتتَشَكَّلُ عندَه فِكرَةُ أنَّ غَدوَهُ زَوجًا يُغنِيهِ عَن التَّفكِيرِ في أَيِّ شَيءٍ لَه عَلَاقَةٌ بِالاعتِنَاءِ بِنَفسِه؛ مِن غسلِ لِباسٍ أَو كَيِّهِ أَو طَيِّه، أَو طَهوِ طَعَام، أَو تَرتِيبِ فِرَاشٍ  وكُلِّ مَا يحدُثُ دَاخِلَ البَيتِ بِصِفَةٍ عَامَّة. سَوَاء كَانَ الشَّابُّ مُعتَمِدًا فِي هَذِِه الأُمورِ عَلى نَفسِه أَو عَائِِلَته، الأَمرُ سِيَّان فِي النِّهَايَة..

ثُمَّ يَتزوَّجُ الشَّاب، ويخلَعُ وِسامَ العُزوبِيَّة ورِدَاءَها. يَنتفضُ في وَجهِ الظُّلمِ والطُّغيانِ المفروضِ عَليه مِن قِبل مَن حولَه في ظَنِّه المسكِين. يَختَارُ الزَّوجَةَ شَرِيكَةَ حَيَاتِه، ومُهجةَ فؤادِه بِغَضِّ النَّظرِ عن أصلِها وفصلِها، بِغَضِّ النَّظرِ عن جَمالِها ودِينِها ، بِغَضِّ النّظرِ عن كل المعاييرِ التي لأجلِها تُرشَّح لِشَغل المنصِبِ وتُختارُ له. 

الأيَّام الأولى عادة ما تَمُرُّ حلوة ، مذاقها كالعسلِ المُصفَّى وإن تَخلَّلتهُ قِطَعٌ من الشهد كِنايةً عن المنغِّصات والمشاكلِ الطَّفيفةِ الَّتي تكونُ في هذه الفترةِ من الحياةِ السَّعيدَة الهَانِئَة. عَن الزَّواجِ التَّقليدي أتحدَّثُ كما يسمِّيهِ النَّاسُ اليوم، لكنَّه في الأصل الزَّواجُ الشّرعي الصَّحيح . لا تَعارُفَ بينَ الزَّوجين حتَّى يلتقِيَا تحتَ سقفٍ واحد، يُفرِّغَان ما في جُعبَتَيهِمَا من فيضِ ما حصر في قلبيهما منذ نشأَتِهِما حتَّى تِلكُمُ اللَّحظة التَّاريخية. وما أحلاها تلك النِّزاعَاتُ التي تَتخلَّل هذه الفترة الجميلة (عادةً في الصَّباح)، وما أجمَلها عودةُ المتنافرين بسبَبِها في المساء وكلٌّ منهما يُزَايِدُ صاحبَه الاعتذَارَ وطلَبَ الصَّفح عنه، وغَضِّ الطَّرفِ عمَّا بَدرَ منه. جميلةٌ والله وهَذَا قولُ مجِّربٍ لا قولُ حكيم، وإن كان لنا في الحكمة نَصِيب (أمزح).


ثمَّ بمشيئةِ الله وقدرِه ، يحدثُ الحمل. مرَّةً أخرَى، بتخطيطٍ مِن الطَّرفين أو خطإ فِي الحسابَات . لا يَهُمُّ السَّبب بِقدر مَا تَهُمُّ النَّتائج. أمَّا الأيَّام الأولى، فوالله مَا تُفرِّقُ بينَها وبين ما سَبَقها مِن شهر العسل البَتَّة ، وكاذبٌ مُفترٍ مَن يقولُ غير ذلك . أما الأسبوعُ الأخيرُ مِن الشَّهرِ الأَوَّل للحملِ على حدِّ علمي وبناءً على تجربتِي، فيه تبدأُ مُضاعفاتُ الحمِل ويدخلُ الحياةَ الزّوجية ما يُسمَّى بالوحم ، لَا رَدَّهُ اللهُ ولا بارك الله فيه. 

“الوَحمُ” وحُرُوفُ الكَلمةِ ثَلَاثٌ لا غَير. أَمَّا “الواو” فَبِهِ تَبدَأ الزَّوجَة تَأوُّهاتُها وعَويلُها من وَطئِه. لا تدرِي المسكينَةُ ما حلَّ بها حتَّى يفسُدَ عليها كلُّ شيء كانت تحسبُ نفسَها مُخوَّلةً به. فلا أكلَ مثل الأكلِ، ولا شُربَ مثل الشَّرب ولا مذاقَ لكليهِما وللحياة معهُما. 

أما “الحاء”  -فلا أراك الله أخي ، أُخيَّتي- قطعةٌ مِن العَذاب المقيم. كلُّ شيءٍ يؤلمِ، وكلُّ ما دَخَل خَرج، وكلُّ ما شُرِب مع القيءِ دَرَج. كلُّ آلام الجسمِ تأتي الحامل، وكلّ الآهاتِ تخرُج من شِدَّتِها. تمرُّ أسابيعُ هذ الحرفِ بالحرفِ مثلَما تقُول جَدَّتي . كلُّها نَكَدٌ من العيش، وتعبٌ من الدُّنيا وما فيها. كلُّ الأسقامِ المعهودَة الَّتي تزورُ الجسمَ بين الفينةِ والأخرى تأتيه؛ من إسهالٍ، قيءٍ، ألم مفاصل، إمساك، تشنُّج عضلات وغيرها من الأمور التي تنُغِّصُ على المرء حياته. المهم، في هذه الفترةِ والتي تَلِيها تُصبِحُ المرأةُ عاجزَةً عن القيام بمعظم واجبَاتها. ويغدُو  الزَّوجُ أعزَبًا كما كَان وهذا مَحَلُّ الشَّاهد.

أمَّا “الميم”، فهي أشدُّهُنّ وأمقتُهُنّ للأزواج. تحسبُ الزوجة نَفسَها سَلِمَت وتعَافَت، حتَّى إذَا ارتَسَمَت على وجهها البسمات، وبَنَت اللحَّمَ بعدَما مَرَّت بِه من أزمَات، وتَبدَأ في تسطيرِ أهدافِها لِمَا هو آت، أتاهَا طَائفٌ مِن “الميمِ” اللَّعين، وفي أنَّاته تَقُول مِيم. تَسمعُ المِيم في كلِّ أنَّاتها المسكينة. لله درُّ الميم، ونحن فيه الآن ولا نستطيع أن نتكهَّنَ بما يأتي بعده.

بِعجزِ الزَّوجةِ عن القيام بواجباتِها المنزلَّية تُلقى جُلُّهَا عَلى عَاتِقِ الزَّوجِ(تبًّا للنّسوية)، على فكرة المفروضُ بالنّسويات الاجتماع حول سيِّدِهِن الوحم فالأخير يلبيِّ كلّ أحلامهن ، ويُخضِعُ الزَّوج لكلِّ مطالبهن. آه! الزّوجُ الأعزبُ المسكين. وهَذا لَقبِي هذِه الأيَّام بيني وبين نفسي. خاصَّةً وأنَّ بيني وبين أهلي طولُ طريق. وقد كُنتُ قبل زواجِي ممَّن يُعتمدُ عليهم في الأمور المنزلية. 

أصبَحتُ أقومُ بمعظمِ ما ذُكِر فوق إلى جانِب الاعتِنَاء بالزَّوجةِ ومُكابدَة الوحم معها. ولنُحكِّم الصَّراحَة في كلِّ ما نقولُه هنا. الأمور في زمَنِنا هذَا أبسط بكَثير ممَّا سبَق. فالأكلُ له مصدرهُ أو مصادِرُه، سواءٌ كانَ مَطهُوًّا أو طازَجًا. وغَسلُ المَلابسِ وتجفِيفُها لها آلات الغسِيلِ المتطوِّرَة، وحتَّى محَّلاتُ غسيلِ الثِّياب. ونَظَافَةُ البيتِ لها المكانسُ والمفاِرشُ وغيرها من زُخرُف الحياة. لكن يبقَى الزَّوجُ في حيرة هذه الفترة ولا يدرِي ماذا يفعَل لأنَّه بِبَسَاطة لم يَقُم بهذِه الأمُور قبل اليوم. ربمَّا جرَّبها أيَّامَ الجامِعة في الإقامة، لكنَّ الحجمَ يختلفُ هذه المرَّة. والأخير، لديه شُغلُه، زوجَتُه، وبيتُه، ولا ننسى نفسَه.

أمَّا تنظيفُ البيت، فخيشَةٌ ودلوُ ماء وبعضُ الجهد بارك اللهُ في أمَّهاتِنا وأخواتِنا وزوجاتِنا وجزَاهُنَّ الله عنَّا كلَّ خيرٍ لما يبدُلنَه في الحفاظ على نظافةِ البيت. أمَّا الثِّياب، فآلةُ الغسيلِ تقومُ بمعظَمِ الأشغال. أمَّا الطَّهو فهذا مِضمَارُنا. في الحقيقة لم أطهُ شيئًا لِحَدِّ السَّاعَة عَدَا الأَرُزّ. لكن اليَومَ بالذَّات، جَرَّبتُ صُنعَ حساء، واللهِ أفضلُ حسَاءٍ أكلتُه مِن دون مجاَمَلَة والله المستعان.

شَاهدتُ بعضَ الفِيديُوهات الَّتي تَصِفُ طريقَة التَّحضير، لكنَّ وضعَهُم للحَلِيب في الحسَاء أَثارَ اشمِئزَازِي منها. لذَلك قرَّرتُ العملَ بشكلٍ تلقَائي من رأسي. قطَّعتُ نصفَ بصَلَة ووضعتُها في القِدرِ مع بعضِ الزَّيت. ثمَّ أضفتُ إليها حبَّةَ فلفُلٍ حلوٍ خضرَاء متوسِّطة الحجم، فحبَّة طماطِم طازَجَة مقطَّعَة، فَعُنُق دَجَاج وقَفَصُ الظَّهر المربوط بها، ثمَّ التَّوابِل زخَّات على الخلِيط، وقطعةُ جامبُو للمِلح والنَّكهة. أَضفتُ إلى المَزِيج مَاءً وتَرَكتُه على نارٍ مستَعرِة وخرجتُ لِصَلاةِ المغرب. نَعم، هَذَا حالُ العُزَّاب، لا وَقتَ للطّعَام حتى تكون هناك رغبة فيه.

بعدَ صلاةِ المغِرب أَضَفتُ بعضَ ما اشتَرَيتُ من الثُّومِ تقريبًا خمسَ فُصُوص ، وفُلفُلًا حارًّا. وزِدتُ عليها بعض الماء . لمَّا ذُقتُ المرقَ أحسَستُ بِدهنِ الدَّجَاج، فَفَكَّرتُ في طريقةٍ للتَّخلُّصِ منه حتَّى تذكَّرتُ البطَاطا وأنِّي لم أضع منها شيئًا . أضفتُ حبَّتَيْ بطاطَا صغيرَتين، وتركتُ النَّارَ تستعِرُ تحت القِدر وأنا أستمَعُِ لِمَا تَيسَّرَ من محاضَرات. لَكِنَّ رأسِي كانَ لهُ رأيٌ آخر .

 أخذتُ وعاءً آخَر ووضعتُ فيها ماءً وكوبَ أرز، ومَعَ الأرُز فَصُّ ثومٍ وعِيدَانُ قرنفُل وقَلِيلٌ من الزَّيتِ والمِلح. صَارَت الدُّينا تَغلِي من جِهَتَين وأنا بينَ نَارين مستَعرَتين على الموقد . بعدَ بزوغِ علامَاتِ الطَّهو الَّتِي لا أدرِي الوقتَ الَّذي أخذَته وأظُنُّ أنَّ هذا هو الخطأُ الذي تَرتكِبُه السَّيدَات عند الطَّهو ، ولِذَلك يَتغيَّرُ مذَاقُ الطَّبقِ من مرَّة لأخرى. 

احتَسَيتُ صحًنا صغيرًا من الحَسَاء قبلَ أن أُضِيفَ الأرز للقِدر وأَخلِط كلَّ شيء. صَار الموضُوع كَبسَةً فجأَة! أَطفَأتُ الموقِدَ بسَماعِ أذان العشاء وجَلستُ مع أرُزِّي الجميل بعدَ الصَّلاةِ مباشرة. كم كَانَ حُلوًا بعد كَسرِي لِبيضَة طَازجَة فوقَه مثلما يفعَلُ اليَابَانِيُّون. بِالطَّبع لم أنْسَ الزَّوجةَ المقاِتلة ، وعَرَضتُ عليها الحَسَاء لكنهَّا طَلبَت منِّي إبعادَه عنها لأن رائحة الثوم تأتي بقوة منه، وهدَّدَتنِي بِعَدَم الاقتراب منها إن أنا أكلتُه وعطَّرتُ فمي بعطره. لكنَّها أثنَت على حَلاوتِه ومذَاقه الرَّهيب (مبالغة) وأنها لم تأكل مثله قبله ? …

هَذا حَالُ الزَّوج الأَعزَب.. وكُلُّنا هذا الشخص بمجرد الابتعاد عمَّن نحب، لكنه لا يعرف النعمة إلا من فقدها والله المستعان… 

ختاما نقول … صحيح أن العزب من لا يملك زوجة، وعزوبية الزوج الموصوفة هنا لا يمكن للعزاب استيعابها . لكن ورغم الفروق، يبقى المتزوج الذي يمر بشيء مما ذكر أعلاه، في راحة مع نفسه رغم ضيق وقته . والأعزب العزب في نكد من العيش لغياب زوجه. واسأل المجربين لا الحكماء فوالله ليس الخبر المعاينة كما يقولون والله الموفق في كل الأمور …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى