إسلامياتمنوعات

الأخلاق .. هل يمكن تعديلها؟ وكيف؟

وظنت طائفة أن المقصود من المجاهدة قمع هذه الصفات بالكلية ومحوها، وهيهات! فإن الشهوة خلقت لفائدة. وهي ضرورية في الجبلة، فلو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإنسان، ولو انقطعت شهوة الوقاع لانقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه. ومهما بقي أصل الشهوة فيبقى لا محالة حب المال الذي يوصله إلى الشهوة حتى يحمله ذلك على إمساك المال. وليس المطلوب إماطة ذلك بالكلية، بل المطلوب ردها إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط.

الغزالي رحمه الله

حرصت الشريعة الإسلامية على غرس الأخلاق الكريمة ، وبناء لشخصية سليمة قويمة ، ومُعزِّزة لحميد الصّفات وطيّب الخِصال فيه، وقد شملت الأخلاق وغطّت جميع مجالات الحياة ؛ لتكون الأخلاق بذلك ناظمةً لعلاقات المسلم كلّها، بدءاً من علاقته بالله سبحانه وتعالى، ثمّ علاقته بنفسه، ثمّ علاقته بغيره من النّاس من حوله، وأجل شاهد  على اهتمام الشريعة الإسلاميّة بالأخلاق ، ما رُوِي عنه قول: (إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ).

والملاحظ لتشريع الله عزوجل يجد أن العبادات جاءت  لتهذيب الأخلاق وتربية النّفس عليها، ومن ذلك ما جاء في قوله -تعالى- عن الصّلاة: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)، وكذلك ما جاء في قوله تعالى عن الزّكاة: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وعلاوةً على ذلك كلّه فإنّ كثيراً من النّصوص الشرعيّة من القرآن الكريم والسنّة النبويّة، يتجلّى فيها حُسن الخُلق، مبيّنةً فضله وعاقبته الحسنة، وموضِّحةً لنماذج الأخلاق الحسنة، ومُستشهدةً بأمثلة من حياة الأنبياء عليهم السّلام، والصّحابة الكرام رضي الله عنهم.
والخلق جعله الله حال النفس فبه يعقل الإنسان أفعاله ، وبعضه يكون غريزة وطبعا ، وفي بعض آخر لايكون إلا بالرياضة والاجتهاد ، كالسخاء يوجد في كثير من الناس دون تعويد أو اجتهاد ، وكالعفة والشجاعة والعدل وغير ذلك وفيها مايحتاج إلى ترويض وتعديل واجتهاد وهنا تأتي الإشكالية تطرح نفسها :

  • هل يمكن التحكم في الأخلاق وتعديلها؟ والتي تندرج تحتها أسئلة فرعية :
  • ماهي الوسائل التي تساعد على ذلك ؟
  • وهل يمكن للمرء معرفة عيب نفسه ليحسن منه ؟

في هذا المقال سنجيب على هذه الأسئلة :

كيف يعرف المرء عيبه؟

يرى الغزالي أن من كانت بصيرته نافذة لم تخف عليه عيوبه، فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج.

وإذا كان أكثر الخلق جاهلين لعيوب أنفسهم، حتى إن أحدهم ليرى القذى في عين أخيه، ولا يرى الجذع في عين نفسه، فقد وضع الغزالي أربعة طرق لمعرفة عيوب النفس:

الأول: أن يجلس المرء بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس مطلع على خفايا الآفات، ويحكمه في نفسه، ويتبع إشارته في مجاهدته.

الثاني: أن يطلب صديقًا صدوقًا بصيرًا متدينًا فينصبه رقيبًا على نفسه، ليلاحظ أحواله وأفعاله، فما ذكره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه الباطنة والظاهرة نبهه إليه.

الثالث: أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه، فإن عين السخط تبدي المساوئ. ولعل انتفاع الإنسان بعدو مشاحن يذكره عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يخفي عنه عيوبه.

الرابع: أن يخالط الناس، فكل ما رآه مذمومًا عند الخلق اتهم نفسه به. فإن الطباع متقاربة في اتباع الهوى، وما يتصف به واحد من الأقران لا ينفك القرن الآخر عن أصله، أو عن أعظم منه، أو عن شيء منه. فليتفقد نفسه ويطهرها عن كل ما يذمه من غيره.[1]

هل المقصود بالتحكم والتعديل القضاء على الخلق كليا؟

كثير من الناس يوجد فيهم أن الخُلق كالخَلق لا يمكن تغييره، وإلا كان طمعًا في تغيير خلق الله، وأن خلق الله قسمان: قسم لا فعل لنا فيه، كالسماء والكواكب، وقسم فيه قوة لقبول كمال بعده، إذ وجد شرط التربية.

 وتربيته قد تتعلق بالاختيار، فإن النواة ليست بتفاح ولا نخل، ولكنها قابلة بالقوة لأن تصير نخلًا بالتربية، وغير قابلة لأن تصير تفاحًا، وإنما تصير نخلًا إذا تعلق بها اختيار الآدمي في تربيتها ويقول محي الدين العربي : «فلذلك لو أردنا أن نقلع بالكلية الغضب والشهوة من أنفسنا ونحن في هذا العالم عجزنا عنه، ولكن لوأردنا قهرهما وإسلاسهما بالرياضة والمجاهدة قدرنا عليه»[2].

ونجد أن الجبلات تنقسم إلى نوعين سريعة القبول وبطيئة القبول وذلك باعتبار التقدم في الوجود ومن هنا نجد أن أقسام الناس في تحكم في الخلق اربع مراتب كما ذكرها الغزالي :

  • المرتبة الأولى: الإنسان الغفل الذي لا يعرف الحق من الباطل والجميل من القبيح. وهو أقل الأقسام للعلاج، فلا يحتاج إلا إلى مرشد وإلى بعث يحمله على الاتباع.
  • المرتبة الثانية: أن يكون قد عرف القبيح، ولكنه لم يتعود العمل الصالح. بل زين له سوء عمله، يتعاطاه انقيادًا لشهواته، وإعراضًا عن صواب رأيه، فأمره صعب من الأول، إذ تضاعف علته. فيلزم (أ) قلع ما رسخ فيه من تعود الفساد (ب) وصرف النفس إلى ضده.
  • المرتبة الثالثة: أن يعتقد أن القبيح حق وجميل. ويرى الغزالي أن هذا لا يرجى صلاحه إلا على الندرة، إذ تضاعفت عليه أسباب الضلال.
  • المرتبة الرابعة: أن يكون مع وقوع نشوئه على الاعتقاد الفاسد، وتربيته على العمل به، يرى فضله في كثرة الشر، واستهلاك النفوس، ويتباهى بفساده، ويراه مما يرفع قدره.

قال الغزالي: وهذا أصعب المراتب وفي مثله قيل: من التعذيب تهذيب الذئب ليتأدب وغسل الأسود ليبيض. ثم قال: فالأول: من هؤلاء يقال له جاهل والثاني: جاهل وضال، والثالث: جاهل وضال وفاسق، والرابع: جاهل وضال وفاسق وشرير[3].


[1] الأخلاق عند الغزالي ، زكي مبارك ، ج٣ ص٣٦٧.

[2] فلسفة الأخلاق ، لمحيي الدين العربي ،ص 4ـ5

[3] الأخلاق عند الغزالي ، ج٣ ص٣٦٧.

الفسيفساء

كاتبة متخصصة في العلوم الإسلامية والتغذية الصحية ومهمتة بعلوم الحاسب والبرمجة وتعلم اللغات الحية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى