عالم الطفل

أطفالنا و التيك توك

الإثنين الماضي كنت جالسا في مقهى في بلدي الغالية القناطر ‏الخيرية. وبينما كنت مستغرقا في تأمل النيل ، داعيا الله سبحانه وتعالى ‏أن يديم علينا جريانه ، وأن يرد كيد أعداء مصر في نحورهم ، بادرني ‏طفل متسائلا :
– ” عمو .. تعرف التيك توك ؟”
وأجبت بنعم ، وطلبت ‏منهم الجلوس . لفت نظري أن الطفل يسير برفقه صديقه وعمرهما ‏يقترب من 10 سنوات، وعلمت أنهما يدرسان في الصفين الأول ‏والثاني الإعدادي . فطلب مني أن أحمل التطبيق وأحصل على 30 ‏جنيها رصيد . فقلت ما هي استفادتكم ؟أجابوا أنه عندما يقنعون عدد 6 ‏أشخاص بتحميل التيك توك سيتم تحويل لهم مبلغ مالي ويتضاعف ‏المبلغ إذا وصل عدد المقتنعين 14 شخصا .‏


وتحاورتُ معهم بروح الأب عن خطورة هذا التطبيق على أخلاقيات ‏الأطفال والشباب والمراهقين ، خاصة وأن غالبية من يحملونه ‏يشاهدون الفيديوهات التي تعرض صورا خليعة وألفاظ خارجة .
‏وأوضحت لهم انهم يتحملون ذنب كل ما يشاهده من يقنعونهم بتحميل ‏التطبيق . وشجعتهم ان يحصلوا على الفلوس بالعمل خلال فترة ‏الصيف في أعمال تناسب أعمارهم بدلا من التسويق لبرامج وتطبيقات ‏تجلب الضرر لهم وللمجتمع . فانصرفا الطفلين وظهرت عليهما ‏علامات الاقتناع ولم يتحدثا مع آخرين على المقهى .‏


وبالبحث عن تطبيق تيك توك الذي راج في مصر كثيرا هذه الأيام ‏وجدت أنه تم اطلاقه أولا في الصين عام 2016 تحت مسمى دوين ‏وهو تطبيق يستخدم منصة الوسائط الاجتماعية لإنشاء أو مشاهدة ‏مجموعة متنوعة من المقاطع المرئية القصيرة، مثل الرقص والغناء ‏والكوميديا والتعليم، والتي تتراوح مدتها من 3 ثوانٍ إلى دقيقة واحدة ‏‏(3 دقائق لبعض المستخدمين). وانتشر سريعا فخلال عام واحد حصل ‏على 100 مليون مستخدم في الصين . وتم إطلاق تيك توك في السوق ‏الدولية في سبتمبر 2017 والبعض يقول في يناير 2018 . وانتشر ‏سريعا أيضا حيث وصل إلى 2 مليار عملية تنزيل في جميع أنحاء ‏العالم بعد إنضمام عدد من مشاهير الفن على مستوى العالم .‏


وذكرت موسوعة ويكيبيديا أن العديد من الدول أبدت مخاوف بشأن ‏محتوى تيك توك الفاحش وغير الأخلاقي والمبتذل وأنه يشجع على ‏نشر المواد الإباحية. وكانت هناك عمليات حظر وتحذيرات مؤقتة ‏صادرة عن دول مثل إندونيسيا، وبنغلاديش، الهند، وباكستان بشأن ‏مخاوف المحتوى. وفي الصين نفسها بلد المنشأ تم توبيخ التطبيق من ‏قبل مراقبي وسائل الإعلام الصينية لعرضها محتوى غير مقبول، مثل ‏مقاطع الفيديو التي تصور حالات حمل المراهقات. وفي مصر تتابع ‏الجهات المعنية المسئين لاستخدام التيك توك وأصدرت محكمة مؤخرا ‏حكما بالسجن والغرامة على بعض المتهمين بترويج مشاهد خليعة .‏


الجهد الرسمي من جانب الحكومة والجهات الرقابية مطلوب ‏وضروري ومهم . ولكن الأهم منه التوعية الحقيقية بخطورة آلاف ‏التطبيقات التي تستخدمها مواقع التواصل وتتغلغل سريعا إلى منازلنا ‏وشوارعنا وفي مؤسساتنا التعليمية والثقافية والإعلامية والدينية . مما ‏يتطلب من جميع هذه المؤسسات أن تتحرك بشكل جدي وعاجل وفق ‏خطة مدروسة لمواجة هذا الخطر بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع ‏المدني ومع الأحزاب السياسية التي تعد بالعشرات ولكن أسماء ‏غالبيتها غير معروف لانها ليس لها وجود في الشارع . ‏
وتكلمت كثيرا في عشرات المقالات السابقة عن أهمية دور الأسرة ‏بإعتبارها المصنع الأول لصناعة الوعي ، والحصن القوي الذي يلجأ ‏إليه الفرد عند مواجهة أي خطر . وأجدد دعوتي للأباء والأمهات : ” ‏خلو بالكم من عيالكم “‏ .

[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى