إسلامياتتاريخمنوعات
أخر الأخبار

تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

تقرأ في هذه السلسلة :

تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

ذكرى المولد النبوي الشريف ، والذي يوافق الثاني عشر من ربيع الأول على المشهور ، هو اليوم الذي وُلد فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، ونوَّرَ فيه الوجود بطلته الشريفة .

غير أن هذا اليوم لم يُخص أبدا بأي مظهر من مظاهر التبجيل أو الاحتفاء، بل كان يمر كغيره من أيام السنة ،سواء في حياته صلى الله عليه وسلم ، أو بعد مماته في عصر الخلفاء الراشدين ، ولا في عصر بني أمية والعباسيين . ولم يفعلها الصحابة والتابعون ومن بعدهم وهم الأولى بذلك والأقرب لرسول الله عهدا ، و حبهم له لا يوصف ولايُحد .

الدولة الفاطمية

إن منشأ الاحتفالات بالمولد النبوي كان الدولة الفاطمية ، والتي تسمى بدولة العبيديين المتشيعين الروافض. وقد جاء في البداية والنهاية لابن كثير : ” وقد كانت مدة ملك الفاطميين مائتين وثمانين سنة وكسراً، فصاروا كأمس الذاهب كأن لم يغنوا فيها. وكان أول من ملك منهم المهدي وكان من سلمية حداداً، وكان يهودياً، فدخل بلاد المغرب وتسمى بعبيد الله، وادعى أنه شريف علوي فاطمي، وقال عن نفسه: إنه المهدي (…) والمقصود أن هذا الدعي الكذاب راج له ما افتراه في تلك البلاد ووازره جماعة من الجهلة، وصارت له دولة وصولة، ثم تمكن إلى أن بنى مدينة سماها المهدية نسبة إليه، وصار ملكاً مطاعاً يظهر الرفض وينطوي على الكفر المحض.

ثم كان من بعده ابنه القائم محمد، ثم ابنه المنصور إسماعيل، ثم ابنه المعز معد، وهو أول من دخل ديار مصر منهم، وبنيت له القاهرة المعزية والقصران ، ثم ابنه العزيز نزار، ثم ابنه الحاكم منصور، ثم ابنه الطاهر علي، ثم ابنه المستنصر معد، ثم ابنه المستعلي أحمد، ثم ابنه الآمر منصور، ثم ابن عمه الحافظ عبد المجيد، ثم ابنه الظافر إسماعيل، ثم الفائز عيسى، ثم ابن عمه العاضد عبد الله، وهو آخرهم، فجملتهم أربعة عشر ملكاً ومدتهم مائتان ونيف وثمانون سنة. (……) وقد كان الفاطميون من أغنى الخلفاء وأكثرهم مالاً، وأجبرهم وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية“.

فكان هؤلاء هم أول من جعل المولد النبوي مناسبة دينية أو عيدا إن صح التعبير . وقد سنوا أيضا احتفلات وأياما لم تكن فيمن قبلهم كالاحتفال برأس السنة الهجرية ، وعاشوراء ، ومولد علي وفاطمة رضي الله عنهما ، ومولد الحسن والحسين رضي الله عنهما، ومولد الخليفة الحاضر ، وأول شعبان ورجب ، وعيد الغدير ، ويوم النيروز وغيرها من الأعياد والأيام المبتدعة .

وبهذه المناسبة كانت الأموال توزع على الناس كافة ، وتوزع الهدايا والعطايا والهبات . وكان أعيان والدولة ووجهاؤها يتنافسون بأنواع الزينات ، وأكبر الولائم والمآدب . وكذا بتقديم الصدقات ، وتلاوة القرآن في المساجد والزوايا ، وذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وتسير المواكب الفخمة من الجند والفرسان مع حمل الأعلام وقرع الطبول والنفخ في الأبواق . ويمشي الجند ببنادقهم ، يتقدمهم القضاة وأهل الراي في الدولة بأبهتهم وفخامة موكبهم . ويحضر كل هذا حشود الأهالي بمختلف طبقاتهم ليشهدوا هذا الركب العظيم ، وهذا الاحتفال البهيج .

وأول من ابتدع يوم المولد النبوي منهم هو المعز لدين الله الفاطمي وذلك سنة 362 ه . وكان ذلك بعد أن استقام له المقام والحكم بالقاهرة ولِما رأى من حب المصريين لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قرر أن يجعل يوم المولد النبوي عيدا يُحتفل به ، لأنها الطريقة الأمثل لتوطيد حكمه وتحقيق رغباته واستمالة الشعب إليه .

ثم تبعه في هذا أولاده وأحفاده من بعده . وانتشرت الاحتفلات حتى شملت مصر ، والشام ، والأندلس ، والمغرب ، كل بمظاهره وكمياته .

حتى جاءت سنة 488 ه / 1095 م في خلافة المستعلى بالله . حيث أبطل وزيره الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي الاحتفال بالموالد الأربعة : المولد النبوي ، مولد علي رضي الله عنه ، مولد فاطمة الزهراء رضي الله عنها ومولد الخليفة الحاضر . وذلك لأنه كان قابضا على أمور وشؤون الدولة دون الخليفة ، وكان غير متشيع . ثم أعيد قرار الاحتفال من جديد بعد موت الوزير الأفضل .

الدولة الأيوبية

في العهد الأيوبي ، كان هناك احتفالات من الشعب الذي مازال متمسكا بما اعتاده ايام الفاطميين . وكان في الموصل ، الملك أبو سعيد مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل يقيم احتفالا كبيرا هائلا ، اشتهر وصار مضربا للمثل في عظمته . إذ كان يبذل فيه من الاهتمام والأموال الكثير . إذ كان يصرف في كل عام نحو ثلاثمائة ألف دينار على احتفالات المولد النبوي .

وقد ذُكر في كتب التاريخ أنه وضع سماطا في إحدى احتفالاته ، وكان به نحو خمسة آلاف راس غنم مشوي ، وعشرة آلاف دجاجة ، ومائة فرس ، ومائة ألف زبدية ، وثلاثين الف صحن حلو . وكان يحضر احتفالاته الأعين والوجهاء والعلماء والصوفية ، فيغدقهم بالهبات والعطايا ، ويسمع للصوفية ، ويرقص معهم .

دولة المماليك البحرية

في عهد المماليك البحرية ، أي في عهد قطز ، والظاهر بيبرس وقلاوون ، لم تكن هناك احتفالات عظيمة بالمولد شانها في عهد الفاطميين والأيوبيين . بل اقتصر الأمر على احتفال الأهالي بتزين الدور والحارات وإقامة الولائم ، وتوزيع الصدقات .

دولة مماليك الجراكسة

استمر الاحتفال بالمولد النبوي في عهد الجراكسة ، حيث كان الظاهر برقوق يولي أهمية ,عناية فائقة بهذا الاحتفال ، من الوان الزينة ، وإقامة الولائم الفاخرة ، والصدقات ، وتوزيع الأموال .

ولما رأى السلطان أحمد بن أوبس مظاهر الاحتفال الفاخرة في مصر ، وقد كان حاكما على بغداد ، نقل هذه العادة في الاحتفال إلى بلاده .

وكذلك أولى السلطان سيف الدين جقمق عناية بالاحتفال بالمولد بإقامة الزينات والولائم الفخمة ، وتوزيع الصدقات للفقراء والمعوزين . وكذا توالت الاحتفالات سواء من الملوك أو الأهالي .

الدولة العثمانية

كان الحكام في الدولة العثمانية يولون الاحتفال بالمولد النبوي عناية وأهمية ، كل حسب ظروفه وأهتمامه . وكان السلطان عبد الحميد الثاني يحتفل به في الجامع الحميدي ، وكان يحضره عظماء الدولة ووجهاؤها أ الذين كانوا يخرجون معه في موكب فخم وخلفه حشود الناس إلى الجامع أين يقام الاحتفال . ويكون ذلك بقراءة القرآن ، وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وحلقات الذكر ، والإنشاد ، وغيرها .

في المغرب الأقصى وتونس وتلمسان

كان ملوك آل زيان وسلاطينهم يحتفلون بالمولد النبوي ، كان أبرز من يحتفل بالمولد في تلمسان هو أبو حمو من آل زيان لما كان يعطيه من الاهتمام والعناية الفائقة . واشتهرت الاحتفالات أيضا في المغرب الأقصى خاصة في عهد السلطان ابي عباس أحمد المنصور في أواخر القرن العاشر من الهجرة . وكان بنو ابي حفص في تونس يحتفلون ايضا بالمولد ، وأولهم أبو فارس عبد العزيز ، وتبعه من بعده من ملوك بني حفص . وكانوا يوقدون القنادل ، ويشعلون الشموع ، ويصنعون ألذ الأطعمة ، وينشدون الأشعار والمدائح .

وهكذا توالت الاحتفالات من دولة لدولة ، ومن جيل إلى جيل ، حتى توارثها الأحفاد عن الأجداد ، وصارت كما نشهدها اليوم ، كل حسب عاداته وتقاليده (انظر مقال عادات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ،و انظر حكم الاحتفال بالمولد النبوي )

المراجع

  1. البداية والنهاية ، لابن كثير ، الجزء 12
  2. تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ، حسن السندوبي
  3. تاريخ الإسلام ، للحافظ الذهبي
بواسطة
manzili.life

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى