منوعات

سوق الأسبوع الدولي

ثرثرات مواطن متذمر ..


قبل أن تقوم بتقطيب حاجبيك، أو تمطيط شفتيك، أو التثاؤب وبِنصَرُك في إحدى أذنيك، حاول أن تقرأ ما أقوله في شرح العنوان. وليكن في علمك أني لست محللا سياسيا ولا اجتماعيا، ولست من خواص الناس ولا يُسمَع لي حديثٌ في أيٍّ من أمورهم. ما أنا إلا عابر سبيل في هذه الحياة، من أولئك الذين لا ينعاهم أحد أو يتذكرهم حين موتهم إلا قريب أو صديق، أو عابر سبيل آخر شاءت الأقدار أن تجمعه بي في يوم من الأيام. عابر سبيل من دون بصمة أو ذِكرٍ له يعينه في تحصيل بعض الدعوات الصالحات حين يستقر في غياهب القبر.

بعيدا عن المقدمات المملة، المحرجة في أغلب الأحيان، ما الذي يقصده الكاتب أو الراوي بهذا العنوان؟ ترتيب الكلمات مبهم وغير سليم في آن، رغم أن الكلمات لها علاقات في كثير من المواضيع والجمل التي تستعمل كأمثلة في دروس اللغة أو الجغرافيا والتاريخ وحتى علم الإجتماع أو التربية المدنية. ولكن الترابط هنا أو ترتيبها غير سليم. هل الإبهام مقصود من قبل الكاتب؟ هل يحمل العنوان رسالة مشفرة؟ هل؟ وهل؟ …

ما العنوان إلا عبارة أقولها وأستخدمها من دون تفكير ولا تدبير في بعض الحالات التي سأقوم بذكرها فيما سيأتي من السطور. العبارة سهلة النطق وتصلح في كثير من المواضع، وكل هذه المواضع لها نقطة إلتقاء أو تقاطع. وإليك وصفا شاملا معمقا لماهية هذه المواضع أو الأماكن:

أي مكان، خاصا كان أو عاما، يُنَصَّبُ فيه أو لإدارته والحرص على سيرورة المهام فيه من لا يملك الأهلية لذلك، تنتشر فيه بكتيريا “سوق الأسبوع الدولي” بشكل رهيب وتظهر في كل لحظة. وعادة ما تنتهي بتحويل المكان إلى سوق نخاسة أو جواري، غير أنه لا سَيِّدَ هنالك ولا عبدا في هذا النوع من الأسواق، فالكل سَيِّدٌ، والكل عبد يدورون في حلقة مفرغة من الضوضاء، والغي المفرط.

أعلم أن الفقرة السابقة لم تكن في المستوى المطلوب لشرح السطر التي تمثله. لذلك سوف أقوم بتعزيز التعريف أو وجهة النظر المطروحة ببعض الأمثلة التي تساعد القارئ في تبسيط ما قيل. نبدأ بأبسط مثال وهو السوق. نعم لأنه سوق فهو نقطة البداية، عندما تدخل السوق يا أخي تفهم العنوان مباشرة.

أغلب أسواقنا ينطبق عليها العنوان خاصة في أوقات التخفيضات وبيع الألبسة بنصف الثمن في نهاية المواسم (صيف، شتاء في العادة). ومع ما يشهده العالم من قروب للزوال وقيام القيامة، يا أخي لن تفهم شيئا مما يحدث سواء كنت قطرة من القطرات التي تشكل موجات البشر الزاحفة في السوق من عرض لآخر ومن محل لمحل، أو كنت راكب أمواج تصارع من أجل البقاء وتحاول إعمال العقل للظفر بما تريد، دون التحول إلى زبد والإندثار في آخر المشوار. للأسف أغلب أسواقنا تؤسَّسُ على هذه المبادئ، وكثرة النساء فيها زادت الطين بلة مع الأسف الشديد. (أرجو ألا تعلق على الجملة الأخيرة).

البلدية، مثال حي آخر يأتي بعد السوق مباشرة في الأحقية لحمل عنوان المقال. لأسباب تافهة ولقلة أدب العمال (ليس الكل ولكن جُلُّهُم لِلأَسَف) والمواطنين على حد سواء. تتحول البلديات في بلدي إلى أسواق أسبوعية دولية، ففيها غوغاء وضوضاء الأسواق فهي أسواق. أسبوعية لأن الأسواق الأسبوعية تكون أكثر اكتظاظا من نظيراتها اليومية. وأخيرا دولية لما فيه من تعدد للألوان والأشكال والثقافات.

تعليق على الثرثرة ..


الكلام أعلاه ما هو إلا سيل من التذمر، فجّره مواطن مستاء أكلت الشمس رأسه من الحر، وزادت طباع الناس المستنزفة للأعصاب والقاطعة لكل حبال الصبر الوضع سوءا والطين بلة.

مواطنٌ عادي بدأ يومه ككل صباح بكسرة تُغمس بزيت الزيتون، تتبعها بضع رشفات من الحليب الممزوج بالقهوة هي كل فطوره، مع بيضة جف صفارها بزيادة من شدة الغليان. ثم جهز أوراقه وشحذ همته للذهاب إلى دار البلدية، المكان الذي تحتاج فعلا أن تستنفر كل جنود عزمك وصبرك عند التفكير في زيارته لقضاء حاجة بسيطة -أو يُفترض أنها بسيطة- كاستخراج شهادة إقامة !!

ذهب شخصًا يحب الحياة، ويتفاءل بالغد المشرق الجميل، ويطمح للتغيير، ويحلم بالآتي، يصافح في طريقه الأزهار، ويُحيِّي الأشجار، ويُشيّع الأطيار .. وعاد منها محطّما مغتاظا، يطحن الزهر، ويسب الطير .. يرى اليوم أسودا والغد أشد سوادا، طموحه البريء رأى شياطين الشر هناك فعانقها وتبنّى شرّها، فما يُفكّر إلا في نسف المكان عن بكرة أبيه لو استطاع.

عاد والغضب يخنقه والقهر يشنقه بسبب موظف لم يصحُ من أحلامه بعد، فهو يحسب نفسه قد صار رئيسا وما كرسيه اليتيم ذاك إلا العرش الذي لا يجلس عليه إلا مختار القوم وسيد البلد. وما شهادة الإقامة التي جاء المسكين يطلبها إلا عهدا لتنصيبه وزيرا -لو كان هناك شيء كهذا- فهو يطلب شهادة جده وابن عم أبيه، وشهادة وفاة المسكين الواقف أمامه، وشهادة ابنه الذي لم يُشرّف الحياة بعد لأنه ببساطة أعزب، ولكن من يُفهِم موظّف البلدية؟! أو عفوا رئيس الجمهورية صاحب السعادة الأبدية ومالك البلدية. ثم وبعد طلباته التعجيزية يطلب في الأخير شهادة الإقامة ليصنع له واحدة أخرى !![ الكلام جاء على طريقة المبالغة والتهويل، لكنه لا يُجانب الواقع ولا يخالفه، بل يعبر بشكل هزلي وجِدِّي في آن عن معاناة المواطن في حرم البلدية].

هذا مشهد من المشاهد الكثيرة التي تُعاد كل يوم من مأساة المواطن في “أسواق الأسبوع الدولية خلف أسوار البلدية”، ناهيك عن السباب والشتائم والمشاجرات التي تحدث من حين لآخر، إن لم تكن أغلب الأحيان. وليست البلدية المكان الوحيد الذي نشير إليه بالبنان هنا، بل تلحقها بالذنب أغلب مؤسسات وإدارات الدولة التي يقصدها المواطن لقضاء أموره وحوائجه متفائلا ومفعما بالحياة، ويعود منها ساخطا ولاعنا. منها مركز البريد الذي يحتاج وحده لحديث طويل، قد نسرده يوما على أسماعكم فجهزوا له فنجان قهوة أو شاي حتى ذلك الحين.. ودمتم سالمين ..

زاوية الرأي:

وأنت أيها المواطن الذي فترت قدماه اليوم أو قبله وهو ينتظر طابور البشر أمام المكاتب والشبابيك، أفرغ ثرثرتك وفضفض معاناتك معنا في “سوق الأسبوع الدولي”.

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

المدير العام

المدير العام والمسؤول على كل ما ينشر في الموقع من قبل الكتاب والأعضاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى