عالم الطفل

لارفا، ويوميات زوج الأفوكادو .. هل تصلحُ للأطفال؟

لارفا (larva)، مسلسل اليرقات والحشرات الغريب الذي اكتشفتُه في آخر زياراتي لمنزل أخي. والذي كان لابنتِه ذاتُ الخمسِ سنواتٍ الشَّرف بتعريفه لي.

كانت قد دَعَتنِي للَّعِبِ مَعهَا، عندما حَمَلَتِ الهاتفَ بعدَ مدَّةٍ لتختار “larva” مباشرة، وتطلب مني الجلوس جنبها والمشاهدة. جلستُ من باب الدعابةِ أوَّل الأمرِ. لكنَّنِي  عدّلتُ جلستي وتابعتُ معها بانتباه رُبَّما فَاقَ انتِباهَها. ليس وكأنَّه أعجبني، لكنِّي تابعتُه لِفرطِ دَهشَتي؛ ومع كلِّ مشهدٍ كنتُ أَتَساءل: هل انحدرت برامج الأطفال إلى هذا الحدّ؟!

بعد ثلاث حلقات لم أستطع المتابعة. وبأسلوب طفولي ليِّن – كما لو كنتُ أُتابعُ اللَّعبَ معها- طلبتُ منها تغييره لأنه لم يعجبني. لأني لو فعلتُها بأسلوب الناصح، أو الكبير الآمر لَأطلَقَت مَوجَةً من موجَاتِ البكاءِ المزعجة، كما هي عادة الصِّغار في استجداء الكبار.

  توقَّعتُ أن تضع “ديانا”، “أنستيا”، “لوسي وولفو”، وغيرها من برامج الكرتون التي اعتادت  مشاهدتها (وستكون لي جلسة خاصة بهؤلاء لاحقا)، لكنها شغّلت كرتون خضروات متحركة بطلها زوجٌ من الأفوكادو. على عكس الأول، فقد تَجهَّمتُ فورَ رؤيتي لهذا الكرتون، إذ كان لي معه لقاءٌ سابقٌ غير مُرضٍ على الإطلاق، لذا فقد كانت صدمةً لي أن رأيتُه ضمن برامج الأطفال.

أقول إنها برامج أطفال لأن الفتاة تشاهدها على يوتيوب كيدز “youtube kids“، لذا فلا شك في كونها مصنفة ضمن ما هو مناسب للبراعم الصغار.

هل لارفا وزوج الأفوكادو مناسبان للأطفال ؟

عنّي أقول “إطلاقا” .. لَيسَا مُناسِبَين. فيهما فكاهة نعم، فيهما متعة قد يلتمسها البعض (ليس أنا طبعا)، فيهما القليل والقليل جدا من الفائدة التي تحجبها تماما سحائب البلاهة والتفاهة القاتمة، عدا ذلك لا شيء مهم على الإطلاق.

وحين أتحدث عن الفكاهة  في هذا النوع من البرامج، فيجب أن يتجه عقلك مباشرة لتلك التصرفات البلهاء “المقززة” -وركز على هذه الكلمة- التي اعتاد الصبيان “المنفلتون”، “غير المهذبين” -باصطلاح المعلمين- فعلها كنوع من البطولة الطفولية، والتي لا يُقدِمُ عليها ولا يتقنها إلا المخضرمون من أبناء الشارع.

آخر ما تحدثتُ عنه هو ما ينسف كل فائدة أو متعة قُدِّر لها أن تتواجد في حلقات المسلسلين القصيرة. فلا شيء يستدعي السماح للطفل بمشاهدة برنامج يغلب عفنه على نظافته، من أجل فائدة ربما لن يلاحظها على الإطلاق.

وفيما يلي سأتحدث عن البرنامجين باختصار مع توضيح بعض النقاط السيئة التي أمكنني ملاحظتها في الثلاث حلقات أو الأربع التي شاهدتها مع ابنة الخمس، قبل أن أغير لها الموجة إلى شيء أكثر فائدة ومتعة.

اليرقة، لارفا (larava):

لارفا هو رسوم متحركة ثلاثية الأبعاد من إنتاج إحدى شركات كوريا الجنوبيَّة  “Tuba”. وقد استغربتُ اكتشافِي له هذه الأيَّام فقط، مع أنه أُنتج سنة 2011 .  تدور أحداثُ المسلسلِ في عالمِ الحشراتِ المصغَّر، ويتقمَّصُ دَورَ البُطولةِ دُودَتا أرضٍ صفراء وحمراء، صَامِتَتَان، مع مجموعة من الحشرات التي تتواجد في محيطهما عادة مثل الفئران، والسرعوفة، والخنفساء والجُعل.

 نعم أعزائي، لم تخطئوا القراءة، الجُعل أحد أبطال المسلسل. وحين يحضر الجُعَل تحضر معه حتما كرة الروث الكبيرة والنتة خاصته، والتي لم يُقصّر المنتجون في إبراز حجمها الكبير وروائح النتانة والعفن التي تنطلق منها. مع تعيين حلقات خاصة تكون الكرة الأسطورية بؤرة الحدث وبطل الحلقة.. واستمتع وأنت تشاهد !!

لارفا .. الجعل مع كرة الروث
لارفا .. الجعل وحبة الروث

لماذا لا يصلح لارفا للأطفال؟

أنا لا أنصح بِـ”لارفا” للأطفال، من أي فئة عمرية كانوا. ويكبر الانتقاد والمنع كلما صغُر السن. وهناك بعض النقاط التي يتمحور المسلسل حولها ، ولا تخطئها العين من أول مشاهدة كونها تتكرر في أغلب المشاهد.

العفن ..

لا أفهم صدقًا ما مشكلة الأجانب مع العفن في برامج الكرتون. كنت أنتقد البرامج الأمريكية (مثل غامبول وكلارنس) في هذه النقطة كثيرا وأراها تستحق الأوسكار في تمثيلية العفن. لكن يبدو أن الكورية منافس لا يستهان به في المضمار. وأتساءل لمن ستكون الغلبة، خاصة وأن الطرفين قد تفننا وأبدعا في تصوير مشاهد العفن ، ولم تفُتهم في سبيل ذلك حتى أصغر الحقائق، وأتفه الدقائق.

أهي أساليب العفن، ومشاهد النتن من تدغدغ عرق المتعة في مشاهدي مجتمعاتهم وتجعلهم يتوسدون الأرض من الضحك؟ هل فقدت أسلحة الكوميديا القديمة فعاليتها لتستعين بصواريخ العفن المسيلة للدموع؟ أم أن هؤلاء من فرط النظافة على أرض الواقع اشتاقوا لجرعة مضاعفة من العفن “المُكَرتَن”؟

قد يحسبني البعض أبالغ في الكلام، وأتجنَّى بالملام، لكنه للأسف الواقع الذي انحدروا إليه. والأسف الأكبر أننا وبأعصابٍ “مثلّجَةٍ” ننزل معهم المنحدر طواعية ، وعسى بيننا عقولا واعية، وضمائر صاحية.

لن أُفصِّل في نقطة العفن لأني لو غاليت في التقدير فأبسط التصرفات سأدرجها تحت هذا البند. ويكفيني وجود الجُعل وبطولته شاهدا عليها، وبعض الحلقات التي أقف عندها فعلا بلا تعليق، وعسى الصورة تشرح جزءا يسيرا من الكارثة (واعذروني عليها، أكرمكم الله):

لارفا .. الديدان حول الفضلات
لارفا .. العفن في أنتن معانيه

التصرفات البلهاء الغبية غير اللائقة:

عندما كنا صغارا كان بعض الأولاد يتبجحون بإتقانهم لبعض الحركات التي يُحجِم أغلب أقرانهم عن فعلها، البعض لأنه يستصعبها، والفئة الأكبر لأنها تتقزز منها. أذكر منها تقليب جفون العين لتبدو بشكل مرعب، اللعب بالعلكة وحركات أخرى سيّدها “الأنف” وبطلُها “المخاط”.

حركات التفاهة الطفولية لا تحصى، وهي دائما مادة دسمة لمحاضرات الكبار ومواعظهم غير المنتهية. لكنهم كانوا محقين –وجِدًّا- مع التي ذكرتها أعلاه. فحتى ونحن صغار كنا نستنكرها وننفر منها ونتقزز. لذا فأن تراها أهم ما يتقنه أبطال برنامجك تجعلك تقف صامتا لتفكر: هل  فقد المنتجون عقولهم؟ هل يحتاجون ضربة تصحح لهم بوصلة الذوق والأدب التي مالت جنوبا وأخطأت نجم الشمال، فتاهت بالركب وضيعت الدرب.

لن أطيل الشرح وسأكتفي بالتلميح، والنقطتان السابقتان كافيتان لتنفير كل عاقل تهمُّهً تربية أبنائه، والتي صارت على المحك يحاصرها الأعداء من كل جانب، ويدخلها عفن الأجانب كلما غفلت عين المراقب وسها المحاسب.

أتوقع من طفل يتتلمذ في مدرسة “لارفا” وأشباهه أن يخرج مسخا بلا خلق، وسخيفا  عديم الذوق. ففي المسلسل مشاهد تتبرأ منها الأخلاق، وتكفر بها الأذواق. ناهيك عن لمحات “مثلية”، ومشاهد لا أخلاقية تختبئ خلف غطاء “العفوية” الكوميدية. ولا يحتاج الموضوع لأن أشرح وأعيد، ففهمكم يكفي ويزيد.

حياة زوج الأفوكادو (Avocado couple live):

لا أعرف ماذا أقول عن هذا الداهية. ولنبدأ بأول لقاء لي معه. كان ذلك على مسرح إحدى منصات التواصل. وأنا أتصفح الجديد ظهر أمامي منشور “بريء” قليل أدب، يظهر فيه زوج من الأفوكادو هو عبارة عن نصفين من حبة يكمّل أحدهما الآخر، الذكر بالعظم أو “النواة” والأنثى مجوَّفَة. وفي شكل كاريكاتور كان يعبر عن مشاهد تحت مسمى “الجنسية”، هي تلميحات فقط، لكن الأعمى يبصرها، والأحمق يفهمها. ولا يحتاج الأمر إلى تصريح حين يَسُدُّ التلميح.

لم أتوقع ولو قليلا أن تكون الصورة مقتطعة من حلقات البرنامج، بل لم يدر بخلدي مطلقا أن يكون برنامجا كرتونيا، لكنه للأسف كذلك. الحلقات تتمحور حول حياة هذا الثنائي في مجتمع من أزواج الخضار الأخرى. يتناول مواضيعا مختلفة عن الحمل ومشاكل الزوجية والأصدقاء. نعم، الأصدقاء، فحينًا تُصَوَّرُ أنثى الأفوكادو على أنها زوجة نصفها الآخر، وحينًا آخر صديقته الحميمة التي يحتاج لمواعدتها لكسب الود أو توطيده.

زوج الأفوكادو

عدا المشهد الذي كان فاتحة الكتاب معه، فلم أحب أغلب ما فيه كونه ينبه ويعلم الأطفال أمورا أكبر من سنهم لا تهمهم ولا تنفعهم. إضافة لأخرى محرمة في ديننا كطريقة اللبس وكثير من التصرفات غير اللائقة، و كالنمص. ففي الحلقة التي شاهدتها مع الصغيرة كانت أنثى الأفوكادو تتجهز للذهاب في موعد مع زوجها أو صديقها -لست أميز- وأثناء عملية التجميل التي جربت فيها أصناف الماكياج، قامت تنتف حواجبها حتى نزعتها تماما. المشهد كان واضحا ومطولا، ولا أستبعدبعد مشاهدته أن تهرع الصغيرات لتقليده كما يفعلن دائما، لدرجة أنهن صرن خبيرات في الماكياج الذي لا أميز فيه –أنا الكبيرة- بين حمرة الفم ومُلوِّن الجفون والخدود!!

مما شاهدته معها أيضا حلقة عن كيف تحول الجميع إلى زومبي عدا البطلة. وعند الزومبي أقف لأسأل: ما المتعة سيدي المنتج؟ وما الفائدة؟ فلم يبق برنامج كرتون لم يحشروا فيه حلقة عن الزومبي، حتى صارت تلك لعبة الصغار المفضلة. وأذكر قبل مدة أن الصغيرة ابنة أخي جاءت مرة لتلعب معي، وعندما سألتها عما نلعبه قالت:”زومبي”. وأخذت تقلد حركات الزومبي المعتوهة وتطاردني، وحين أمسكتني عضتني على ذراعي، لكنها لم تجد ردة فعل مناسبة منّي، فصاحت بي كمن أفسدت لعبتها: “لقد عضضتك تحولي الآن إلى زومبي وطارديني”. ما ذا أُعلّق يا سادة؟ لكن كل اللوم على مدارسنا وبرامجنا القديمة التي قصّرت في تعليمي أن الزومبي يحوّل من معه إلى زومبي مثله بعضّة واحدة منه. هذه المعلومة العظيمة التي عرفتها على كِبَر، صار يعرفها أبناء الثلاث والأربع ويستمتعون بتقليدها وتقمص دورها، وبدوت جنبهم “دقة قديمة” من العصور الغابرة. فامسحوا جهلي أعزائي الصغار، واستروا ما واجهتم !!

الخلاصة:

 الجدير بالذكر بعد كل هذه الثرثرة، أن الصغار باعتيادهم على هذا النوع من البرامج يفقدون الذوق والحس الجميل. فتصبح مسلسلات من نوع “أنا وأخي”، و”ماروكو” وغيرهم خارج اهتمامهم وغير مُرضِيَة لمزاجهم، وأول الغيث –يا سادتي القراء- قطرة، فأمسكوا بإحكام مظلاتكم قبل أن يغرقكم وابله القادم.

وإن كان أطفالك يحبون اليرقات والديدان، فَلَهُم في “يرقانة” و”دودي” أنيس وونيس، ويكفي أنها أنظف وأظرف على الأقل.

ما الذي كنتُ أتابعه في عمرهم؟ في الخامسة لم أكن من محبي التلفاز، كنت أفضل اللعب مع أقراني على الجلوس حبيسة شاشته. بعدها إن شاهدت فشيئا مثل “حكايات قندس”، و”سنان”، و”سنبل” ، و”جزيرة الشطار”، و”قرية التوت” والقصص العالمية، والبرامج الأخرى الخالية من الفوضى والعفن اللذان احتلا برامج الصغار اليوم، والله المستعان.

سُقيَا لعهدٍ كان أبيضَ خاليًا … من خضروات النَّتن واليرقاتِ
ب”مدينة الصفصاف” أو في “قريةِ .. التُّوتِ” التي سَلِمَت من العثرات
و”سنان” و”الشطار” كم يحلو لنا … ما فيهما من متعة وعِظاتِ
سُقيًا لهم ما كان أنظف فِكرهَم … للطفل في متقدِّم السنوات
ِ

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى