منوعات

قبل الامتحان .. كل شيء وقتها مرغوب

بعد فطور لذيذ وشهي ، جلس ينظر بتمعن وتأمل في زرقة السماء. وبينا هو غائب في أحلام المنام، إذ بشئ بارد يلامس وجهه ، ثم وابل من القطرات يبلل جسده. والعجيب في الأمر أنه باق على ذاك الحال ، يتمتع بوابل القطرات ، وينشد في نفس الوقت فرحا مسرورا ، ما تكدر صفوه ، ولا تبدلت ملامح وجهه ، لايبالي بقسوة الطقس ولا ألم المرض ، وهو في أعماق قلبه يريده ، ويتمنى أن يتغلل في جسده. ويتسائل القوم في حاله ، أهو مجنون ، أم رجل بلا روح ، أم بلغ ذروة الإيمان ، أم يوم سعادته الوحيد المتبقي لديه ، فأرادوا أن يؤنسوه ، ويواسوه ، فصرخ رجل من القوم ” دعوه لشأنه، فقد يصيبنا ببعض جنونه ” ، وأخذوا بأمر الناصح ، ومضى كل لشأنه .

وأنت أيها القارئ ما رأيك في الرجل ؟ لعلك ستفتح فمك وتضحك مما سأقول ، ولعلك قد تؤيد الرجل في فعله وتنصره. ولربما قد تستنكره وتستهجنه. إن هذا الرجل ليس بمجنون، و لم تفارق الروح الجسد ولا بلغ ذروة الإيمان ولا ذاق حلاوته ، إنما هو مماطل ليوم الامتحان ، يربد المرض ليتعذر به غدا. ويريد الجلوس لكي لا يذاكرا أبدا. ولعله أراد الرقص ، ولربما لأنشد الشعر لو عرفه ، ولرسم لوحة لو كان موهوبا . كل هذا يأتيك قبل الامتحان ، ويحول بينك وبين دراستك ، إذ أنه شئ يتمنى الطالب فراقه ، ولايرضى أنسه ، فهو مميت القلوب وحاصد الأرواح .

ما قبل الامتحان

يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان. مقولة تسرى عبر الألسن وتجري في العقول مجرى الدم في العروق. بعيدا عن صدق المقولة وقائلها ، قد يسأل سائل كيف يكرم المرء ويهان في هذا اليوم ؟ لعل التحليل الأنسب والأفضل وهو أن المجتهد والمستعد ليوم الحرب ، يعلو شأنه ويرتفع قدره ، فهو في هذا اليوم يسهل عليه خوض غمار الحرب ، ويتسنى له السعادة بالنصر. ولكن المتكاسل والمتوكل على الغير هائن شرفه ، إذ أنه لا يقوى على خوض المعركة إلا وراء الجدران و مختبئا بين الأغصان. وقبل مسرح الأحداث هذا ، نراجع معا كواليسه ، كيف وقف الطالب المجتهد على خشبة المسرح معلنا قصته البطولية، وكيف اختفى سليل النسب والمجد خلف أركان الصخور والشجر .

الطالب المجتهد

قبل خوض المعركة بأسبوع ، كان يغدو الطالب صباح مساء إلى مقاعد المدرسة ، شأنه شأن كل الطلاب ، يستمعون الدرس ، ويجبون على الأسئلة. ثم إذا انتهى الدوام ، انصرف كل لشأنه ومنزله ، وانطلق صديقنا ومعه دفتر المذاكرة يدخل الباص وهو منكب على دفتره يحفظ. حتى إذا وصل ، صلى فريضته ، وانكب على أوراق الامتحانات سابقة ، يغربلها غربلة شديدة ، ويستخرج أسرارها العالقة بين الأشواك المميتة. وهو في هذا حتى ينقضي نصف الليل ، فينام بعضه ويستيقظ باكرا. ويعيد الكرة ، بلاملل ولا ضجر . فإذا جاء يوم الامتحان ، استيقظ بشعر أشعث مغبرا لم تمر عليه أسنان المشط خلال الأسبوع ثانية واحدة ، وصار لايرى لحمه من عظمه. فلبس حلته ، وتأنق ، وصارت ملابسه أكبر من حجمه ، وأخذ دفتره الصغير ، وانطلق إلى المدرسة فرحا مسرورا، و لما رأى ورقة الامتحان سرت في قلبه نشوة المنتصر ، فحمل قلمه وانكب يخط مجده ، وخلد التاريخ قصته بين صفحاته .

الطالب الكسول

وعلى عكس رفيقنا، كان أسبوع طالبنا حافلا بالمرح واللعب. هاهو بين الأصدقاء يلعبون الكرة ، وبين محلات الألعاب يمضون فيها الليل كله ، وفي المنزل بين سهرات العائلة وضحكات الاطفال وصخب البيت ، يعيشون أجمل لحظاتهم فيها . ثم تحين ليلة الامتحان ، يمضي الصباح يدعو تأجيل الغد ويسهر الليل بين أكوام الكتب والورق ، يحاول حفظها وهو لا يفقه في ما قيل فيها شيا. تراه يحاول ابتكار الاختراعات ، بدل أن يتخذ لنفسه جهدا لفهم المقال والقيل في هذه الكتب. فإذا عجز العقل وكَلَّ القلب ، تراه يحفظ درسا واحد أو بعضه ، وينطلق غدا أملا أن يتخذ بعض النقاط منه. وتوضع الورقة ويبحث بين طياتها عن أمله ، وإذا به قد اتسعت حدقة عينه وبدأ شعره يتشعث ويمزق وينبش ثيابه ، بعد أن كان العريس في ليلة العرس ، ويأس ، وبقي له ملجأ وحيد وهو الغش و”الحروز” أو “البراشم” ، أوراق صغيرة ولفائف ، بعضها في الفم وأخرى في العين ومنها من هو بين طيات الثياب والحذاء. وينتهي الامتحان ، فلا يخلد اسمه ، ولا تحكي قصته إلا بسبائب وشتائم وضحكات أطفال الحي .

خاتمة الكتاب

كل بما كسب رهين ، ولا تجزون إلا ماتعملون ، من جد وزرع ،ا ستراح ، و من لهى وامتنع عن العمل ، لقي المهانة و ما وجد لذة العيش ولطعم الراحة ابدا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى