إسلامياتمنوعات

طلَّق زوجته ثلاثًا في مجلسٍ واحد، فهل تُحرم عليه ؟

كثيرا ما نتحلق حول أمي لنسمع حكايات الصبا وذكريات الماضي، التي تعج بأشخاص نسمع عنهم ولا نراهم، منهم الحي القاطع، والبعيد الذي يرجو اللقاء ولا يناله، والميت الذي سبق أجله ولمّا نلج الحياة.

أغلب حكايات أمي تتعلق بأسرتها وجيرتها من ذاك الجيل الذي مازالت آثار الاستعمار محفورة على جلده، راسخة بخلده، تاركة فيهم جسما وعقلا ودينا مُشوَّهًا تعبت أيادي المصلحين في محاولة تجميله وتقويم اعوجاجه. ولو كنت من معاصري أحد أبناء ذلك الجيل، للحظت هذا التشوه في كلمات العيب البذيئة التي لا يتحرج الكبار من قولها خاصة عندما ينقطع حبل الحِلم، وينحل عقدة الصبر. وفي الصلاة التي لا يؤديها إلا كبار السن مع الكثير أو القليل من البدع والأخطاء كل حسب حظه من التعليم.

من الأمور المهمة التي أصابها هذا التشوه، والتي تؤثر كثيرا على مصير الأسرة، الجهل بأحكام الطلاق. ولا تستغرب أبدا إن كان منهم من يعاشر زوجه بعد أن طلقها الطلقة المليون!! هذا الأمر بالتحديد والذي ترويه أمي عن أحد أقاربها الذي ما مر يوم أو يومان إلا وتشاجر مع زوجه شجارا حادا ينتهي بالطلاق، ثم ما يلبث أن تهدأ سورة غضبه فيردها إليه ليكملا حياتهما كأن شيئا لم يكن. هذا الأمر تكرر مرارا والزوجان يعيشان بعد كل طلقة كأن شيئا لم يكن!!

الطامة السابقة شدهتني لدرجة أني وقفت عندها أتساءل عن حكم حياتهما هذه بعد آلاف الطلقات. ثم أوقد أخي في ذهني تساؤلا آخر اثناء مراجعته لمادة فقه الاسرة، لما قال جازما بأن الذي يطلق زوجه في مجلس واحد كأن يقول:”أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق” لا يُحتسب له سوى طلق واحدة، بينما أعرف عكس ذلك. ومن هذه المسائل قررت أن أبحث أكثر في الموضوع، وأنير بصائركم بما ينفع الفرد والمجتمع، ويضمن استقرار الأسرة، ويجعل الرجل مسؤولا وحذرا عند كلامه في الحِلم والغضب.


إن للفقهاء كلاما حول هذه المسائل ، وأدلة قوية تمسح عن ذهنك كل المشاكل ، فلا خلاف بين الفقهاء في كون الطلاق في مجلس واحد سواء بلفظ واحد كـ( انت طالق ثلاثا ) ، أو متفرقة ( أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ) على أنه ليس من الطلاق السني الذي فيه اتباع لأحكام الشريعة الإسلامية ، بل هو من الطلاق البدعي المخالف للمنهج السني الذي ارتضاه الله لعباده ،

ولكن وقع الخلاف في كون هذا الطلاق هل يقع طلاقا حتما ولايمكن للزوجة أن تعود إلى زوجها حتى تتزوج غيره ، أم أنه يقع طلقة واحدة رجعية يستطيع للزوج ان يرجع عنها .

فجماعة من الفقهاء ذهبت إلى الرأي الأول ، وأما الثاني فقد ذهب إليه ابن القيم ، وابن تيمية وكان لكل واحد منهم أدلة تعضد قولهم وتقوي حجتهم ، ولكن الأغرب أني لما تساءلت كيف يتعامل القانون مع هذه الحالات ، فوجدت أن المشرع الجزائري قد فصل النزاع بحل ثالث يذهب اللبس ويحد من ظاهرة الطلاق والفساد الذي سادت في البلاد فقد كان الرجل يطلق ويعود في اليوم مائة مرة ، ورجل يطلق ثم يندم عن قراره فتذهب المرأة إلى فئة تسمي نفسها محللة ( أي التي تتزوجها المرأة لكي تستطيع الرجوع إلى زوجها ) .

وقد تفشى الفساد وصار الكل يعبث في أحكام الشريعة فجاء القانون بحل أزاح عنهم كل هذه المفسدات فحكَّم الطلاق إلى القاضي وليس للرجل حق في التطليق وأن الذي يحكم هو القاضي وذلك عبر الاستفسار وما الحالات التي يمكن الطلاق فيها من أسباب وأمور كثيرة وذلك لينزع ما كان يفسد للناس دينهم .

الفسيفساء

كاتبة متخصصة في العلوم الإسلامية والتغذية الصحية ومهمتة بعلوم الحاسب والبرمجة وتعلم اللغات الحية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى