خواطرمنوعات
أخر الأخبار

كورونا .. وقفة تدبر

اعتاد الناس الإصابة بالأنفلوزا بأنواعها وأعراضها ، التي تبدو خطيرة عند البعض ، وهينة عند آخرين . لكن هذا العام جاء مختلفا عن سابقيه ، متفردا بما جرى فيه . إذ لحق العالم وباء خطير – وقانا الله شره و صرف عنا ضره – صار حديث القاصي والداني ، والصغير والكبير . فلا تسمع في الأخبار إلا خبره ، ولا ترى في الإعلام إلا صوره . ولا يكاد حديث بين اثنين يخلو من ذكره ، و من استقصاء أمره ، والتطلع لآخر ما قيل عنه ويقال من العلماء والأطباء ، وما يعلنه الوزراء والرؤساء . وصار هذا الفيروس الصغير بحجمه ، الكبير الخطير بفعله ، الشغل الشاغل لكل شخص يسكن المعمورة . وزلزل كيان هذا الإنسان المعتد بقوته فقض مضجعه وغير أحواله و عطل أموره .

فيروس كورونا ، أو الفيروس التاجي كما يعنيه اسمه ، والذي ظهر أول أمره في الصين ، ثم زحف منها إلى كل دول العالم ، فلم يترك بقعة إلا اجتاحها ، ولم ينزل بأرض إلا هد كيانها ، ونشر الفزع فيها . هذا المرض الذي أُغلقت لأجله المطارات ، وأوقفت الرحلات ، وتوقفت بسببه المحلات ، وأَدْخَلَ الناسَ بيوتهم ، وألزمهم رحالهم ، وأغلق مدارسهم ، وأمات منهم من أمات ، وأخاف من أخاف ، وصار جائحة العصر ، ونازلة الدهر .

هذا الفيروس المعدي ، والوباء المُرْدي ، أسقط تكبر الإنسان من أعلى صروحه ، و هوى بغروره وجبروته إلى القعر . فمسح به الأرض ، وأشبعه القهر والغيض .

ولا نقول هذا تشفيا أو نكاية .. فكُلُّنا ذاك الإنسان .. وكُلُّنا مُعَرَّضُون له ، مهددون بحمله . وكلنا إن أراد الله مُصاب به ، ذائق لظى جمره ، وعذاب آلامه .. إما في أنفسنا ، أو في أخ أو قريب ، أو كلِّ مسلم ابتلي به .. وكلُّ مسلمٍ لنا في الله أخ .

لَكِنَّا نقوله عظة وتذكيرا ، وتفكيرا وتقريرا ، ليتعظ كل مغتر بنفسه ، فخور بملكه ، معتد بسلطانه . كل من ظن أن قد حاز القوة ، وظفر بمفاتيح الأمر . فما عاد يوقفه شيء مهما عظُم لأنه أعظم ، وما صار يدحره داحر مهما كبر لأنه أكبر . ونسي العظيم الكبير ، الوالي القدير ، القادر المقتدر ، القوي المتجبر ، مالك الملك ، جل شأنه ، إن قال كن فيكون . وما هذا الكائن الصغير ، إلا جندي من جنوده ، ” وما يعلم جنود ربك إلا هو ” ، سلطه على عباده ، ليعتبر من اعتبر ، ويتذكر من تذكر ، ويتدبر من تدبر ، ويتفكر من تفكر . وليُدرك الإنسان أنه مهما كبر فهو صغير أمام الإله الكبير . ومهما قوي فهو ضعيف أمام القوي المتين ، ” وخُلِقَ الِإنْسَانُ ضَعِيفَا ” ، ” وما قَدرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِه ” .

أَرْسَلَهُ لينظر الناس في أعمالهم ، ويحاسبوا أنفسهم . وهم يرون شهاب الموت قد سطع ، ونجمه قد طلع ، وريحه قد هبت ، وناره قد شبت ، وسيوفه سُنَّت ، وأجراسه رَنَّت . ليتوب الفاجر ، ويُسلم الكافر ، ويرجع الناس إلى الدين ، والهدي المبين . وكيف لا ، وقد لاح شبح الموت في الأُفُقْ ، ولن يُخطئ نفسا إن طَرَقْ . وإذا حان الأجل ، قُضي الأمر ، وخُتِم العمر ، ولن يُمدَّ فيه لنادم ، ولن يُمهَل ظالم .

وقد يقول قائل لما لحق الكورونا المسلم كما لحق الكافر ؟ وهل نفعهم إسلامهم بشيء وقد أُغلقت المساجد ، و خلت المعابد ، ومات منهم نفر ، ومرض منهم بشر . فنقول له : إنّ الله إن سلط وباء على الناس فحسب أحوالهم . فهو للمسلم امتحان و بلاء ، وللكافر والعاصي عقاب وجزاء . و إن كان موتى الكفار جيفا منتنة ، وعند الله تجد الوعيد والعذاب الشديد ، فالمؤمن إن مات به شهيد ، وغدا يلقى العيش السعيد ، والعمر المديد الرغيد في جنات الخلد – جعلنا الله من أهلها وساكنيها – إن هو صبر واحتسب . فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ” سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فأخْبَرَنِي أنَّه عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ علَى مَن يَشَاءُ، وأنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، ليسَ مِن أحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ في بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أنَّه لا يُصِيبُهُ إلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ له، إلَّا كانَ له مِثْلُ أجْرِ شَهِيدٍ. “

وإن كان من سبب لهذه الأوبئة ، فهي ذنوب الناس ، وإعراضهم عن الدين ، ومجاهرتهم بالمعاصي ، وتفشي الفحش والفواحش ، قال تعالى : “وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم” ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : “لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا” .

فعودوا إلى الجادة المستقيمة ، وتوبوا إلى الله توبة نصوحا ، واسألوه العفو والعافية ، والسلامة ، وكَفَّ الضر عنا . وتبتلوا له بالدعاء ، وتضرعوا صبح مساء ، للقادر الشافي ، الذي لا شفاء إلا شفاؤه . وارجعوا إلى الهدي القويم ، والصراط المستقيم .

ولِمَن يستهزئ بالأمر ، ويتصرف عنادا وجهلا ، ويظن أن لن يلحقه منه ضر ، نقول له قوله جل وعلا : “أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ” ، وهل يُؤمن مكره جل ذكره ، وعلا قدره .

.. وللحديث بقية ..

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى