إسلامياتمنوعات
أخر الأخبار

كيف أنت بعد رمضان

بالأمس القريب كنا نستقبل شهر رمضان ، ونتلقى التهاني بقدومه ، واليوم نودعه بكل أسى ، وتأتينا التعازي برحيله. نودع شهر رمضان المبارك بنهاره الجميل ، ولياليه العطرة . نودع شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن ، شهر مغفرة الذنوب ، وستر العيوب ، وعمارة القلوب . شهر قد فاز فيه من صامه وقامه إيماناً واحتساباً ، وخسر فيه من عاشه زوراً وبهتاناً، فيا ليت شعري عباد الله:

من المقبول منا فنهنيه بحسن عمله ، أم ليت شعري من المطرود منا الخاسر فنعزيه بسوء عمله.

رحل شهر رمضان وأفل ، ومضى كأنه طيف خيال ، ذهب وقد استودعناه أعمالنا بخيرها وشرها ، بحلوها ومرها ، بصفوها وكدرها ، بإحسانها وإساءتها ، ولا ندري أيكون رمضان شاهداً علينا بالخيرات ، راحلاً عنا بالحسنات ، أم شاهداً علينا بالتقصير والتفريط ، والانكباب على الشهوات والملذات نسأل الله أن نكون فيه من المقبولين .

فيا عبد الله : إنك لاتدري لعله بمرور هذا الشهر تطوى آخر صفحات حياتك ، وقد لايعود عليك الشهر مرة أخرى فما أنت فاعل ؟

تعالوا أحبتي نسأل أنفسنا ماذا قدمنا في رمضان ؟ وماذا استفدنا من رمضان ؟ هل جنينا من ثماره اليانعة ؟ أم أننا جننيا ثمارا فاسدة؟ هل حققنا تقوى الله التي يريدها ؟ هل دخلنا أبواب المغفرة والرحمة ؟هل اعتقنا من نارجهنم وكتبت أسماؤنا في لائحة المعتوقين من النار أعادنا الله منها وإياكم؟ هل تخرجت من رمضان و عندك عزم الاستمرار على التوبة و الاستقامة ؟
هل أنت أحسن حالا بعد رمضان منك قبله ؟ .كل هذه الأسئلة لانعلم لها جوابا – أيها القارئ الكريم – فالصحابة من قبلنا كانوا يعبدون الله حق عبادته ، ويتقونه ويخشونه في السر والإعلان . تجدهم بعد رمضان يدعون الله بأن يتقبل أعمالهم ، تجدهم يتقلبون بين الخوف والرجاء طمعا في رحمة الله ومغفرته . أما حالنا نحن اليوم فإننا لانعبده مثلما يعبدون ، ولانخشاه حق الخشية ومع ذلك تجدنا فرحين وكأن الله قبل أعمالنا وفزنا بالجنة نسأل الله السلامة والعافية .

والسؤال هو : على أي شيء عزمت عليه بعد انقضاء شهر الصيام وتلاوة القرآن ؟

قيل لبشر – رحمه الله -: إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان، فقال: “بئس القوم لا يعرفون لله حقاً إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها”.

وسئل الشبلي – رحمه الله -: أيما أفضل رجب أو شعبان ؟ فقال: ” كن ربانياً ولا تكن شعبانياً “.

لقد كان نبيك محمد – صلى الله عليه وسلم – عمله ديمة، فقد سئلت عائشة – رضي الله عنها – هل كان يخص يوماً من الأيام؟ فقالت: ” لا، كان عمله ديمة “، وقالت: ” كان النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة “.

فأيها الأحباب: 

إذا انقضى رمضان فإن المؤمن لا ينقضي عمله. فإذا كان الرب – سبحانه – يخاطب أشرف عباده ، وأزكى خلقه ؛ فيقول – عز شأنه – لنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم -: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }. فما بالي وبالك ؟ قال بعض أهل العلم: ليس لعمل المؤمن غاية إلا الموت”، وقال – صلى الله عليه وسلم -: (( إذا مات العبد انقطع عمله .. ))

 فتأمل كيف أنه لم يجعل لانقطاع العمل غاية إلا الموت ، واسمع ماذا يقول الحسن البصري – رحمه الله -: “أبى القوم المداومة، والله ما المؤمن الذي يعمل شهراً أو شهرين، أو عاماً أو عامين؛ لا والله ما جعل الله لعمل المؤمن أجلاً إلا الموت” فيجب أن يكون العبد مستمراً على طاعة الله، ثابتاً على شرعه، مستقيماً على دينه، لا يروغ روغان الثعالب، يعبد الله في شهر دون شهر، أو في مكان دون آخر، أو مع قوم دون آخرين، لا وألف لا!!

بل يعلم أن رب رمضان هو رب بقية الشهور والأيام، وأنه رب الأزمنة والأماكن كلها، فيستقيم على شرع الله حتى يلقى ربه وهو عنه راض، وهذا ربك فاسمعه يقول سبحانه: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} ، وقال – عز وجل -: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((قل آمنت بالله ثم استقم))، فلئن انتهى صيام رمضان فهناك صيام النوافل: كالست من شوال، والاثنين، والخميس، والأيام البيض، وعاشوراء، وعرفة وغيرها.

– ولئن انتهى قيام رمضان فقيام الليل مشروع في كل ليلة {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}.

– ولئن انتهت صدقة وزكاة الفطر فهناك الزكاة المفروضة، وهناك أبواب للصدقة، والتطوع، والجهاد كثيرة ومفتوحة.

– وقراءة القرآن وتدبره ليست خاصة برمضان بل هي في كل وقت.

وهكذا فالأعمال الصالحة في كل وقت وكل زمان فاجتهد أخي في الطاعات، وإياك والكسل والفتور، فإن لم تستطع العمل بالنوافل فلا يجوز لك أبداً أن تترك الواجبات وتضيعها كالصلوات الخمس في أوقاتها، ومع الجماعة وغيرها، ولا أن تقع في المحرمات من قول الحرام ، أو أكله ، أو شربه ، أو النظر إليه واستماعه ، فالله الله بالاستقامة والثبات على الدين في كل حين ، فلا تدري متى يلقاك ملك الموت ، فاحذر أن يأتيك وأنت على معصية.

وأخيرا أيها القارئ أقول لك مقولة قالها أحد العارفين بالله :”من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد مات ، و من كان يعبد الله فان الله حي لا يموت .
أن الذي أمرك بالعبادة في رمضان هو الذي أمرك بها في غير رمضان” .

الفسيفساء

كاتبة متخصصة في العلوم الإسلامية والتغذية الصحية ومهمتة بعلوم الحاسب والبرمجة وتعلم اللغات الحية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى