خواطرمنوعات
أخر الأخبار

عبرة من قطّة

على فراش المرض .. استلقت القطة الحامل وهي في حال لاتحسد عليها . ولم تمض إلا دقائق حتى أطلقت صرخة أفزعتنا، فقمنا مسرعين، وحملناها إلى صندوق صغير مجهز بأفرشة مريحة، أين خرج إلى الحياة مخلوق لطيف مغمض العينين . وفور خروجه من ذاك العالم المظلم، وولوجه العالم المنير النابض بالحياة .. صاح صيحة عالية .. وكأنه يريد أن يعلن عن وجوده من اليوم الأول .. يريد أن يقول لهذا الفضاء الواسع : “هاقد أتيت لأشغل منك حيزا، وأفرض نفسي بين معالمك فرضا”. ثم أخذ يزحف محاولا استكشاف أول بقعة يطؤها، فلم يشعر إلا وأمه تحنو عليه بلسانها تمرره على فروه القليل الذي لايكاد يغطي جسمه النحيل.


غير أنه لم تمر ساعة حتى استقبلنا في غرفتنا برعما آخر، لا يشبه الأول في شيء، فهو أكبر حجما وأقوى بنية، وهو بِطَلَّتِه تلك أشبه بنمر صغير.
وهكذا .. أخذنا نستقبل البرعم تلو الآخر .. إلى أن ارتاحت الأم وخفّت معاناتها بميلاد خامس أبنائها ..

الصغار يشربون الحليب


في الأسابيع الثلاثة الأولى كانت حريصة كل الحرص على ملازمتهم والعناية بأمورهم ، لأنهم لايدركون مما حولهم شيئا، ولا يعرفون من أصناف الطعام إلا حليب الأم الذي كانوا يتزاحمون بشكل رهيب على شربه . ولَكَمْ لَذَّ لنا أن نتابع تلك المشاذات الظريفة العجيبة، ونخرج من عالمنا الصاخب، إلى عالم مرح جميل .. تملكه دونَنا تلك المخلوقات اللطيفة.

بمرور أسبوعين انفتح نصف عين كبراهم ، وأبصرت نور الحياة .. فدوّت في الأرجاء دويّا نبّه كل فرد في الأسرة فهرع إليها .. إنها تعلن للمرة الثانية أن لها مكانا في الوجود .. هي صغيرة نَعَم ْ.. ضئيلة بالنسبة لمحيطها .. لكن مع ذلك فهي موجودة، حية، تشعر وتحس وتلعب دورا فيه .

وبمجرد أن استقام عود الصغار، واستطاعوا تثبيت أولى خطواتهم الصغيرة، حتى استحال البيت ملعبا لهم ومسرحا يلعب كل منهم دوره على خشبته بمنتهى العفوية والثقة . وقد ترى منهم بين الفينة والأخرى تنافسا شديدا، فكلٌّ يريد أن يظفر بأكبر حصة من الطعام و يناضل للحصول عليها، وقد يضطر للتكشير عن أنيابه وإنشاب أظفاره في من تُسَوِّلُ له نفسه الاقتراب منها .

وأجمل من هذا تنافسهم المستميت لكسب محبة مالكيهم واهتمامهم ، ويود الواحد منهم لو يحظى بالدلال .. كل الدلال له وحده.. لا يشاركه مكانه أحد ولا ينافسه على مركزه منافس. وعلى النقيض من هذا، تجد بعضهم الآخر يتحاشى الدلال والدلع الزائد، ويسعى ليكتب له اسما بين القطط ، ويصنع لنفسه هيبة وقدرا، ويرتقي بشخصه عن تفاهات القطط – أوما يراه في نظره تفاهة وعارا لا يليق ببني جنسه – وحياة ِاللهو والعبث التي اشتهروا بها، وصاروا لها القدوة والمثال ..

مخلوقات صغيرة كهذه .. غير عاقلة، تافهة وتعيش بلا أهداف كما يراها البعض ..لا تحمل هما، ولا تُدرك ألما، ولا تُثقلُ نوائبُ الدهر ظهرها وتذيقها الوهن .. ولا يكدر صفو عيشها غم ولا حزن .. وحياتها من السهولة بمكان . إن أمعنت التأمل والنظر في حياتها، وحاولت فَهْم تصرفاتها وردود أفعالها .. ستدرك عاجلا غير آجل، أنك استبقت الحُكْمَ وأخطأت التقدير .. فهي تحس على غرارك تماما ، وتفهم ما يجري حولها، و لكن على طريقتها وبما تُمليه عليها غرائزها .. وهي تناضل من أجل ماتريده مثلك أو أكثر .. و إن عزَمَتْ على شيءٍ فلن يثنيها شيء ولا أحد عن فعله .. بل قد تعاند لتحققه، ولن ترضى بالهزيمة بسهولة، حتى وإن كانت كل المعطيات تثبت أنها الطرف الأضعف، لكنها لا تسمح لنفسها بالاعتراف بذلك ببساطة .. بل تسعى جاهدة لدحضه و تفنيده.

و من الأمثلة على ذلك، أحد القطط الذي كان الوحيد والمفضل لدى صاحب البيت، فلمّا وُلِد قط آخر، أخذ يسرق الأضواء من حوله شيئا فشيئا إلى أن غطّى عليه، واستأثر بالمقام السامي وكل الاهتمام .. فثارت ثائرة القط و بدأ يترصد له الدوائر، و ينيله من الضرب والترهيب ما وجد لذلك سبيلا .. فأعلن المالك الحرب عليه وتوعده بالطرد فما نفع، ضربه وأخافه ولكنه ما ارتدع .. وبقي على موقفه لا يتزعزع حتى يعود له المجد المأخوذ والعز الموؤود أو يأخذ الله أمانته ..

هذا مايجب أن نتعلمه .. وما يجب أن نَكُونَه .. يجب أن نتمسك بما نؤمن به .. ما لم يَثْبُتْ لنا خَطَاه ..
أجل .. هذا ماعلينا أن نَكُونَهُ .. يجب ألا تكون ‘عَدَمًا’ .. عليك أن تفرض نفسك .. أن تترك بصمتك في الحياة .. أن تُخَلِّف أَثَرَك .. طالما تشغل حيزا في هذا العالم – وإن كان صغيرا- فعليك أن تُثْبِتَ نفسك ..
أنت مميز .. أنت موهوب .. كل ماعليك هو أن تكشف مواهبك .. وأن تنميها وتخرجها للعالم بصبغتك الخاصة .. لا يكفي أن تكون كالآخرين .. جد مايميزك .. عليك أن تطمح للتميز والنبوغ .. اكتب اسمك فوق جميع الأسماء .. لا تكن طموحاتك محدودة .. لا تحتقر نفسك .. بل طاول النجوم .. وتخطّاها ..

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى