عالم الطفل
أخر الأخبار

الطفولة المسلوبة

اقرأ في هذا المقال
  • الأطفال وحدهم هم من يُضْفون على العيش حلاوة وجمالا ، وعذوبة لا تظهر إلا من بريق عيونهم البريئة . ولكنها اليوم أُطفئت قسرا ، وذابت قهرا .

في عالم العجائب هذا .. لم يعد هناك ما نعجب له ، أو نستغرب حدوثه. فكل يوم نرى ونسمع ما لا يسرّ ، وفي كل شبر تقبع الآهات ، وتتعالى الأنات . والكل يمر عليها مرّ الكرام .. يُغمض عينيه ، ويرسم على صفحة وجهه قسمات التّأثر والحزن ، ثم يرسل أنة خفيفة ، ويتأوه بنبرة حزينة ، حتى إنك تحسبه فاعلا الكثير لِمحو هذا الظلم العلني ، الذي كتب على كل أرض صفحة من صفحات القهر والعدوان ، والفقر والاستغلال. لكنه يدير ظهره للواقع المرير ، ويتابع طريقه متجاهلا كل شيء.

طفولةٌ معذَّبة ..

وأكثر الصور ترويعا وبعثا للأسى والأسف في آن.. صورة طفل في عمر الزهور ، يعمل بيديه الصغيرتين الضعيفتين ، ماينفر من امتهانه الكبار  ذوو القوة والصحة والصلابة. ويحمل على كاهله مسؤوليات جساما ، وشقاء عظيما تنوء عن حمله الجبال ، ويعجز عنه الرجال.

فكيف يرضون لأطفالهم ، لصغارهم ، لفلذات أكبادهم ، أن يغادروا روض الطفولة الغناء ، إلى عالم حقير كله ذل ومهانة ، وأعباء فوق أعباء ؟ 

بل ما الذي نقوله في عالم خسّت فيه نفوس الناس ، وراقت لضمائرهم – إن كان لهم ضمائر – أن تنعم بهناءٍ بُنِيَ على تعاسة الأطفال .. وأن تفرح بعيش بنيانه الظلم ، وأسّه الاستغلال ؟    

ليس هناك ما نقوله سوى إنه عالم ماتت فيه القلوب ، ومالت شمسُه نحو الغروب .. لأنه لا بقاء لعهد أجياله في فناء ، وليس للراحلين فيه خلفاء .. فإن ماتت الطفولة فمن سيبقى ليواصل المسير ؟ ويكمل سعي الماضين في البناء والتعمير ؟ من سيملؤ علينا الكون مرحا، ويحيل همومنا أفراحا ؟ من سيبعث في صدورنا الانشراح ، ويرفع ستار الليل المدلهم ، ليسدل على الدنيا وشاح الصباح ؟

الأطفال وحدهم هم من يُضْفون على العيش حلاوة وجمالا ، وعذوبة لا تظهر إلا من بريق عيونهم البريئة . ولكنها اليوم أُطفئت قسرا ، وذابت قهرا . 

ارفعوا الظُّلم يرتفع الإجرام، وأَذْهِبُوا البؤْس يذهب الخطر، واعلموا أنَّ هؤلاء المجرمين الذين تمتلئ بِهم السجون كانوا يومًا أطْهارًا، وأنَّ هؤلاء الأطفال المهمَلين المظلومين سيصيرون يومًا مجرمين أشرارًا، وإن رأس الإجرام ومنْبَعَ الشَّرِّ هو الذي ظَلَم هؤلاء الأطفال علي الطنطاوي – مقالات في كلمات –

 

واقعٌ مرير ..

فهذه بنت في عامها الرابع تموت جوعا بسبب إهمال والديها ، وعدم التفاتهما للاهتمام بشؤونها ، ومتابعة أحوالها . وفي مثل هذا يقول أحمد شوقي : 

ليس اليتيم من انتهى أبواه مِن همِّ الحياة وخَلَّفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له أُمًّا تخلَّتْ أو أبًا مشغولا

وهذه قصص أخرى ، يسوقها لنا مجتمع الغرب ، أصحاب التحضر المزعوم ، والحقوق والعدل والمساواة ، وغيرها من الشعارات التي رُفِعت ولا تزال ترفع .. حتى  إذا ما أردنا رؤيتها حقيقة تزول وتنقشع ، كضباب الربيع الذي يملؤ الجو ندى ورقة ، فإن برزت الشمس إلى الوجود انقشع وغاب . فلنر كيف يعيش أطفال المدنية المتطورة ، وهل ياترى منحتهم حضارتهم الأمل والرفاهية ؟ 

حضارةٌ كاذبة ..

فهذا ابن العامين ونصف يُضرب ويُحرق بولاعة سجائر ، ممن؟ من قاطع متعدٍّ ؟ أو من مجرم خطير ؟ لا بل هو أكثر من ذلك ، من والده .. ممن من المفترض أن يكون حضنه الحامي .. حضنه الذي يدفع عنه كل ضرر ، ويبعده عن كل ما يمسه بشر .

وهذا ابن الثمانية يعامل في البيت معاملة العبيد . وآخر سُجن في قفص حتى كبر ، لا لشيء ، سوى لأنه صعب المراس . وذاك رضيع وُجد في سلة المهملات ، وآخر عاش سنة كاملة محجوزا في خزانة ، وغيرهم الكثير .

تحدث كل هذه المآسي ، وشعوبنا ماتفتأ تسعى لنيل رضا الغرب ، والتشبث بأذيالهم ، ليفيض عليهم خيره ، ويقيهم بؤس العيش وضره . وينشر في أجواءهم لو نسمة  رقيقة من نسائم حضارته (المزعومة) العِذاب ، حتى يروا الحياة من أجمل جوانبها . 

لكن ألم يخطر لهؤلاء ولو مرة ، أن ينظروا في المرآة من وجهها الآخر ، ويروا هل تتشابه الصور ؟ هل كل الغربيين على اختلاف أجناسهم وأصولهم يعيشون نفس الظرف ؟ وكلهم آمنون لا يشكون الفقر أو الخوف ؟ 

كلا ، ولو كان ذلك صحيحا ، لما دُقّ ناقوس الخطر ، مهددا ومنددا بأن شمعة الطفولة خَفَتَ لهيبها ، ويوما ما سينطفئ . وحينها فقط سيعم الأرجاء ظلام دامس لا نظفر للخلاص منه بعود ثقاب واحد . وساعتئذ ، سنتحسر على ما فات ، ونندم على صمتنا الطويل أمام تلك الجرائم البشعة ، والأحوال الرهيبة المفزعة .. لكن ، ولات ساعة مندم . وقد قال الشاعر : 

ندم البغاة ولات ساعة مندم     والبغي مرتع مبتغيه وخيم

إقرارٌ واعتراف ..

لقد رأى الغرب أن الإسلام دين العدل والأخوة الحقة . فهي ليست مجرد شعارات له ، بل هي أساس يقوم عليه المجتمع المسلم . إذ ليس الحال كحالهم مع المنظمات الإنسانية التي ماتفتأ تُسمع العالم كلمات رنانة ، وأنغاما شدية ، ثم تناصر العدوان ، وتدعم الطغيان . 

وقد أعرب كثير من المفكرين عن إعجابهم بمبادئ الإسلام خاصة من جانب اهتمامه بالطفولة . فأحد الصحفيين الأمريكين (جاري واندر) يقول : ” اكتشفت من خلال معايشتي للمسلمين العلاقة الرائعة بين أفراد الأسرة المسلمة ” 

وتقول أخرى : ” إني أقول بأن الشفقة والإحسان عند المسلمين نحو أولادهم والغرباء والمسنين والعلماء ، لَمثال مجد يجب على النصارى أن يقتدوا به “

وقال المستشرق الفرنسي لويس سيديو : “لا شيء أدعى إلى راحة النفس من عناية محمد صلى الله عليه وسلم بالأولاد ، فهو قد حرّم بأمر الله عادة الوأد ، وشغل باله بحال اليتامى على الدوام ، وكان يجد في ملاحظة صغار الأولاد أعظم لذة. ومما حدث ذات يوم أن كان محمد صلى الله عليه وسلم يُصلي ، فوثب الحسين بن علي رضي الله عنهما فوق ظهره فلم بال بنظرات الحضور ، فانتظر صابرا إلى حين نزوله كما أراد . “

وحتى في عيون أطفال الغرب ، فالمسلمون ، وخاصة الأطفال ، بالنسبة لهم شخصيات رائعة ومحاطة بعناية كبيرة . وهم يحسدونهم على هذا الاهتمام الذي يولونه تجاههم بحكم أنهم مسلمون وعليهم أن يؤدوا كل ذي حق حقه .

ديننا أعظم الأديان ، ورسولنا صلوات الله عليه قد رسم للطفل بمنهجه دربا متفتحا ، سهلا ، آمنا ، وحث على التكفل باليتيم . ووعد بعظيم الأجر الذي ينتظر كافله فقال : ” أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه ” . وقد كان صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالأطفال ، يحبهم ، ويلاعبهم. ففي رواية مسلم عن أنس قال : «والله ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم». (رواه مسلم [2316]) . وعن أبى هريرة رضي الله عنه، أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل الحسن، فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت واحدًا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه من لا يَرحم لا يُرْحم» (رواه البخاري [5997]). وهو صلوات الله عليه مَنْ سقى براعم الطفولة من وِرده الصافي ، فتفتحت زهوره عبقة بأطيب النسائم ، وأخرج للعالم منهم أعظم أمة عرفها التاريخ .


المراجع

  1. منهج التربية النبوية للطفل ، محمد نور بن عبد الحفيظ سويد ، الطبعة الأولى 2009م -1430ه
  2. قالوا عن الإسلام ، الدكتور عماد الدين الخليل ، الطبعة الأولى 1992 م – 1412ه

بواسطة
manzili.life

آفاق

ماستر ومهندسة في الإعلام الآلي والبرمجيات .كاتبة و شاعرة مبتدئة . أحب كتابة الخواطر ، مهتمة بتربية الطفل وعالمه الواسع . أحب الكتاب أيا كان موضوعها ومجالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى